الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
الموقف الفرنسي الداعم لسيادة المغرب على صحرائه، أسس لشراكة استراتيجية حملت طابع الاستثناء، لما ترتب عنها من اتفاقيات نوعية شاملة لكافة التراب الوطني، بما فيه الأقاليم الجنوبية، ولما أطرها من اعتراف صريح للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمام مجلسي البرلمان، بالقول أن “حاضر ومستقبل الصحراء، يندرجان تحت السيادة المغربية”، وهذا الموقف له دلالته التاريخية والقانونية، بالنظر إلى الوضع الاعتباري لفرنسا كعضو دائم بمجلس الأمن الدولي، واعتبارا لماضيها الاستعماري بمنطقة الشمال إفريقي، ما يجعلها ليس فقط، على إطلاع وثيق على ماضي وحاضر المنطقة، وبشكل خاص، على ظروف وملابسات وتطورات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بل ومساهما فعليا، فيما طال التراب المغربي من جرائم ترابية منذ القرن التاسع عشر وخلال فترة الحماية، في ضوء الأراضي الشرقية المغربية التي اقتطعتها فرنسا الاستعمارية، عنوة من المغرب تحت الضغط والاكراه، وألحقتها بالمقاطعة الفرنسية الجزائرية، ويكفي في هذا الإطار، توجيه البوصلة كاملة نحو خريطة الجزائر الحالية وخريطة المملكة المغربية، لإدراك حجم “المجزرة الترابية” التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الإمبراطورية المغربية الشريفة؛
وهذا الواقع الترابي المبني على أفعال السرقة والنهب والسلب، لم يكن البتة، محل اعتراف من جانب المغرب، مما يبقي على الحق المشــروع للدولة المغربية، في الدفاع عن مجالاتها الترابية المسروقة من قبل الاستعمار الفرنسي الظالم، في لحظات ضعف، كان فيها المغرب حلبـة تنافس إمبريالي كاسح، انتهت حلقاته بالوقوع تحت قبضة الاستعمار الفرنسي في الوسط، والإسباني في الشمال والجنوب، في وقت كان فيه قدر مدينة طنجة، الخضوع إلى نظام دولي خاص؛
وفي هذا الإطار، نصت المادة 42 من دستور 2011 على أن “الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”، وهذا معناه أن المهام الدستورية للملك، بصفته رئيسا للدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، تتجاوز نطاق الحدود الدولية القائمة اليوم، بين المملكة الشريفة والجزائر/ المقاطعة الفرنسية السابقة، إلى مستوى “الحدود الحقة” ، والقصد هنا، الصحراء الشرقية، التي سرقها الاستعمار الفرنسي الظالم، وتوجد اليوم، كتركة مسروقة، تحت سيادة الجزائر صنيعة فرنسا الإمبريالية؛
النظام العدواني الجزائري، الذي ورث حقوقا ترابية مسروقة تعود لدول الجوار كالمغرب وليبيا وتونس ودول إفريقية جنوب الصحراء، وبدل أن يستحي و”ينعل الشيطان”، ويراعي الأخوة والدين وحسن الجوار والمصير المشترك، ويمد جسور الحوار والتفاهم والتشارك، لطي ما تركه الاستعمار من بؤر التوتر والخلاف، اختار طيلة عقود من الزمن سياسة الهروب إلى الأمام، أو كما يقول المثل الشعبي القائل “ضربني وبكى .. سبقني وشكا”، أو “سبق العصا قبل الغنم”، باحتضانه لعصابة انفصالية، داعمة لمشروعــه العدائي، ضد المغرب ووحدته وأمنه واستقراره، ومصالحه الحيوية والاستراتيجية، لينطبق عليه المثل الشعبي القائل “ماقدو فيل زادوه فيلة”، في محاولة جبانة وبئيسـة، لإبعاد الأنظار عما يتحوز به من تركة استعمارية، يشهد التاريخ والأرشيف أنها محل سرقة، وجب إعادتها لملاكها الشرعيين؛
واليوم وفي ظل متغيرات ملف الصحراء الغربية المغربية، الذي يتجه نحو الطي النهائي، قياسا لميلان محور المنتظم الدولي نحو سيادة المغرب على صحرائه، واعتبارا للثقل السياسي والدبلوماسي للدول الداعمة لمغربية الصحراء، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكيـةوإسبانيا وألمانيا، وفرنسا الملتحقة أخيرا بركب الدول المؤيدة لسيادة المغرب على صحرائه، واستحضار للشراكة الاستراتيجيةالاستثنائية التي باتت تربط المغرب مع الشريك الفرنسي، وفي ضوء المسؤوليات التاريخية والقانونية للدولة الفرنسية، فيما طال التراب المغربي من مجازر، لابد لها أن تدخل على خط الصحراء الشرقية المغربية المسلوبة قهرا من المغرب في ظل الاستعمار الفرنسي، بنقل جميع الأرشيفات التي تثبت الحقوق المشروعة للمغرب على صحرائه الغربية، وعلى المناطق المتواجدة في الغرب الجزائري التي ظلت طيلة قرون، جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية المغربية الشريفة قبل أن يطالها مقص الاستعمار الفرنسي الظالم، وأن تتحرك في إطار ما هو ممكن ومتاح قانونا، ما يدفع في اتجاه دعم حق المملكة المغربية في استرجاع أراضيها المغتصبة؛
الدولة المغربية والسلطات الأرشيفية العمومية تحديدا، مطالبة بالاستثمار الأمثل للشراكة الجديدة مع الشريك الفرنسي في بعدها الأرشيفي، وفتح قـنوات التواصل والتشارك مع الأرشيف الفرنسي، ما يساعد على ضبط وحصر الأرشيفات التي من شأنها دعم الأسانيد التاريخية والقانونية الداعمة لمغربية الصحراءالغربية والشرقية، ونقل المتاح منها إلى المغرب، لتعزيــز التراث الأرشيفي الوطني فيما يتعلق بالقرن 19 م وفترة الحماية، وتوظيفهاإقليميا ودوليا، ما يخدم الحقوق الترابية المشروعة للمملكة؛
كان بالإمكان أن تحل المشاكل الخلافية مع الجارة الشرقية في إطار من الحوار والتفاهم والتفاوض والتوافق، مراعاة للأخوة والدين وحسن الجوار والمصير المشترك، وخدمة للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة، ودعما لوحدة الصف العربي، لكن عناد وتهــور النظام العدائي بالجزائر، وتماديه في سياسته العدائية الخبيثة ضد المغرب ووحدته الترابية، يفرض إشهار ورقة “ملف الصحراء الشرقية”، والترافع عنه بكل الوسائل القانونية المتاحة، وفي هذا الإطار، لابد أن تتحمل الدولة الفرنسية مسؤوليتها كاملة، لأنها مقترفة ما تعرض له المغرب من جريمة ترابية جسيمة؛
ندرك تمام الإدراك أن الدبلوماسية المغربية الرشيـدة، تتحلى بما يلزم من الحكمة والتبصر والانضباط، ولايمكن لها البتــة، أن تساير النظام الجار في تهـوره واندفاعه الأعمى وقلة حيائه، لكنها لن تتردد في فتح ملف الصحراء الشرقية، عاجلا أم آجـلا، حسب الظروف والسياقات والمتغيرات، من باب الحق المشـروع في استرجاع المجالات الترابية المغتصبة في البـر كما في البحر، وفي المجمل، فقد صدق الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، الذي أكد في إحدى خطبه التاريخية “إن مغربية الصحراء شيء لا جدال فيه، ولكن كنا ننتظر.. أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار.. كنا نريد أن يعرف الناس النوايا الحقيقية لمن هم يُساكنوننا ويجاوروننا، ولله الحمد سبحانه وتعالى أن انكشف الغطاء”، وجار بهذا الخبث الذي تجـاوز مداه، والعداء الذي بلغ منتهاه، يفــرض تملك أسلحة “التعقل” و”الانضباط” و”الصبر” و”التحمل” و”النفـس الطويل”، ويقتضي دبلوماسية يقظة ومتبصرة وحكيمة، تجيـد الضربات الناعمة، وتحول اندفاعات الأعداء وتهـور الخصوم، إلى فتوحات دبلوماسية مبينة، وانتصارات اقتصادية وجيواستراتيجية موجعة.