الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
في عصر منصات التواصل الاجتماعي، أصبح تداول الأخبار والإشاعات أسرع من أي وقت مضى، وكثيرًا ما تتعلق هذه الأخبار بسلامة الغذاء، حيث تنتشر معلومات غير دقيقة حول منتجات يومية أساسية مثل الخبز والدقيق.
في المغرب، ظهرت مؤخرًا إشاعات تزعم أن بعض المخابز تستعمل “الكارطون المطحون” بدل القمح، وهو ما أثار قلق المواطنين.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الحقيقة العلمية والرقابية وراء هذه الشائعات، ونوضح الواقع الغذائي الفعلي للخبز المغربي.
- التوضيح العلمي
الكارطون مكوَّن من ألياف السليلوز المأخوذة من الخشب أو الورق المعاد تدويره، وهي خالية من النشويات والبروتينات (الغلوتين) الضرورية لتكوين العجين ومنحه المرونة المطلوبة.
كما تحتوي صناعة الكارطون على مواد كيميائية سامة، مثل:
- أحبار طباعة غنية بالمعادن الثقيلة؛
- مواد لاصقة صناعية تحتوي على الفورمالديهايد ومشتقات البترول؛
- عوامل تبييض ومعالجة لا يُسمح باستعمالها في أي منتج غذائي.
علميًا، لا يمكن خلط الكارطون بالدقيق دون أن تظهر روائح أو ألوان غريبة، وأي مختبر بسيط قادر على كشف ذلك بتحليل الألياف أو الطيف الكيميائي.
- الإنسان والحيوان – من يستطيع هضم السليلوز؟
الحيوانات المجترة (كالأبقار والغنم) يمكنها أكل الورق لأنها تمتلك كرشًا يحوي بكتيريا تفكك السليلوز وتحوله إلى طاقة.
أما الإنسان فلا يملك إنزيمات لتحليل السليلوز، لذا فابتلاع الورق أو الكارطون لا فائدة غذائية منه بل يضرّ بالصحة.
حتى الحيوانات المجترة لا يُنصح بإطعامها الكرتون الصناعي لأنه يحتوي على أحبار ومذيبات سامة.
- الغرض من نشر هذه الأخبار
تُستعمل مثل هذه الإشاعات غالبًا لأغراض متعددة، منها:
- إثارة البلبلة وزرع الشك في جودة المنتوج الوطني؛
- التشكيك في المؤسسات الرقابية المغربية؛
- استغلال الغلاء المعيشي لإذكاء الغضب الشعبي.
وغالبًا ما تكون الصور أو المقاطع المتداولة مأخوذة من دول أخرى أو قديمة لا علاقة لها بالمغرب.
- الرقابة العلمية ضرورة لا خيار
رغم أن الإشاعة غير صحيحة، فإن الحذر واجب.
تظلّ المراقبة المخبرية المنتظمة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية (ONSSA) خطّ الدفاع الأول عبر:
- أخذ عينات دورية من الدقيق والخبز؛
- تحليلها في مختبرات معتمدة؛
- نشر النتائج بشفافية لطمأنة المستهلكين.
- دور المواطن والإعلام
- على المواطن أن يتحقق قبل مشاركة أي خبر يخص الغذاء، وألا ينجرف وراء منشورات مجهولة المصدر.
- وعلى الإعلام أن يمارس دور التنوير العلمي بدل التهويل، لأن نشر الخوف دون تحقق يضرّ بالثقة العامة ويُضعف الوعي الجماعي.
لا وجود لخبز مصنوع من الكارطون في المغرب، وما يُتداول بهذا الشأن إشاعات رقمية مضلّلة تستغل القلق الشعبي.
ومع ذلك، تبقى يقظة المختبرات وأجهزة المراقبة ضرورية لضمان سلامة قوت المغاربة اليومي وتعزيز الثقة في المنتوج الوطني.
- جودة الدقيق في المغرب
رغم وجود مطاحن مغربية معتمدة حاصلة على شهادات ISO 9001 و ISO 22000، إلا أن بعض التقارير تشير إلى تفاوت في جودة الدقيق.
وقد تم بالفعل حجز كميات من الدقيق غير المطابق للمواصفات خلال السنوات الأخيرة.
وتُظهر دراسات غذائية أن محتوى الملح في الخبز المغربي الصناعي مرتفع، مما يستدعي توعية المستهلكين لتفضيل الخبز الكامل أو التقليدي ذي الجودة الموثوقة.
- الخلاصة العامة
جودة الخبز في المغرب مقبولة عمومًا، لكنها تحتاج إلى مراقبة مستمرة وتعاون بين السلطات والمواطنين والإعلام لمواجهة الإشاعات وتعزيز الثقة في المنتج الوطني.