الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
من مطلب حل اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة، والسحب الفوري لمشروع القانون رقم25-26، إلى وقف التضييق على الصحافة الحرة والمستقلة، مطالب وشعارات من ضمن أخرى، رفعها صحافيون ينتمون إلى منابر إعلامية مختلفة، في وقفة احتجاجية أمام مقر الوزارة الوصية على القطاع، على خلفية الضجة التي أثارها مقطع الفيديو “المسرب”، الذي أحدث هزة عنيفة في بيت الصحافة والنشر، وصلت تردداتها وتداعياتها إلى قبة البرلمان وحقل السياسة، بل وباتت قضية رأي عام؛
الفيديو”المسرب” لم يكن سوى النقطة التي أفاضت فنجان الاحتقان في بيت الصحافة والنشر، وفي هذا الإطار، ومهما نبشنا في حفريات ما يجري في القطاع من مشاهد التوتر والانفعال والسخط والرفض والاحتجاج، فلن نستطيع توصيف واقع حال الصحافة، كما عبر عنه ثلة من الصحفيين، الذين خرجوا بتصريحات، تقاطعت جميعها، في التنديد بما حدث ويحدث في الساحة الإعلامية من تجاوزات وممارسات معيبة، والمطالبة بالتغيير والتحصين، وتحرير المهنة من مخالب التضييق والتحكم والانتقام؛
لغة الخشب أو سياسة “الستاتيكو”، أو ممارسة إخفاء الرأس تحت الرمال كما تصنع النعامة، هي تصرفات لم تعد مقبولة البتة، ولا تزيد القطاع إلا احتقانا وصراعات خفية ومعلنة، مسيئة ليس فقط للمهنة وأخلاقياتها، بل وتكرس واقعا إعلاميا مفككا وضعيفا “الكل فيه يغني على ليلاه”، مما يساهم بقصد أو بدونه، في بناء بيئة إعلامية موسومة بالتنافر والضغط وكسر العظام، يصعب معها، كسب رهان جبهة إعلامية وطنية موحدة ومتجانسة وآمنة ومستقرة، تتحمل مسؤولياتها “المواطنة” في خدمة القضايا الوطنية، والتنمية المجتمعية، والتحصين من العبث والفساد، ومواكبة المغرب الصاعد برهاناته وتحدياته المتعددة الزوايا؛
الرهانات التنموية التي شكلت خيطا رفيعا للخطب الملكية الأخيرة، ومتغيرات الوحدة الترابية، والتحديات الكبرى ذات الصلة بتنظيم كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم، وخدمة القوة الناعمة المغربية الصاعدة، هي رهانات وتحديات، لا يمكن البتة مواجهتها، أو الانغماس فيها، بأسرة إعلامية مفككة ومتطاحنة، وصحافيون يائسون، يطالبون بإيقاف جرافة التضييق، وكسر شوكة العقاب المغلف بثوب الانتقام وتصفية الحسابات المجانية، وبتشريع إعلامي دافع نحو التفرقة والمزيد من التوتر والاضطراب، بدل أن يكون معززا للحمة الإعلامية وضابطا لإيقاعها؛
وعليه، فمصلحة الوطن والمواطنين، تقتضي تحصين “بيت الصحافة”، بتطهيره من صناع العبث بكل مفرداته، ومكرسي الإحساس الفردي والجمعي بفقدان الثقة في المؤسسات، وتفعيل آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتملك الفردي والجماعي لكفاية “تقديم الاستقالة” أو “الإقالة”، في الحالة أو الحالات، التي يعجز فيها المسؤول عن تحمل المسؤولية المنوطة به، أو تكون حقيبتها ثقيلة عليه، أو يكون جزءا من المشكل وليس جزءا من الحل. على أمل، أن ننام، ونستيقظ على منبه صحافة وطنية حرة ومسؤولة وجادة وملتزمة، تشكل حصنا حصينا للوطن والمواطنين، وقوة ناعمة دافعة نحو البناء والنماء والإشعاع…على أمل أن يتم الإصغاء إلى نبض الشارع الصحفي، ومنح الفرصة لأهل الدار، لإعادة ترتيب بيتهم الداخلي، بعيدا عن أي سلوك خارجي، جانح نحو الوصاية والحجر، وبمعزل عن أي مسعى لإحكام الخناق على مهنة، يفترض التعامل معها كسلطة رابعة، تشكل عماد الحياة السياسية، وركيزة الدولة الحديثة، ومؤشرا معتبرا لقياس درجة حرارة الحقوق والحريات…