الألباب المغربية/ حسام بوزكارن
تقف السلطة الفلسطينية اليوم على مفترق طرق خطير، والحرب المدمرة في غزة تكشف يوما بعد يوم عن حجم الأزمة التي تعيشها هذه السلطة. ليست مجرد أزمة عابرة يمكن تجاوزها بالخطابات المعتادة، بل أزمة وجود حقيقية تهدد بقاء المؤسسة برمتها. منذ السابع من أكتوبر والعالم يتابع مجازر غزة، فيما تقف السلطة الفلسطينية موقف المتفرج العاجز. هذا العجز ليس مجرد ضعف في الإمكانيات، بل انعكاس لأزمة عميقة في الرؤية والاستراتيجية. السلطة التي كان من المفترض أن تكون رأس الحربة في النضال الفلسطيني، باتت اليوم عبئا ثقيلا على كاهل القضية.
هذا الواقع المر يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل القيادة الفلسطينية ومدى قدرتها على البقاء في المشهد السياسي. فالشارع الفلسطيني لم يعد يتقبل الخطاب التقليدي حول المقاومة الشعبية السلمية بينما الآلة الحربية الإسرائيلية تدك غزة وتقتل الأطفال والنساء.
- سقوط المشروعية والبحث عن البديل
الأرقام تتحدث بوضوح مؤلم، أكثر من نصف الفلسطينيين يطالبون بحل السلطة الفلسطينية نهائيا حسب استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل صرخة غضب من شعب فقد الثقة في هذه القيادة المشلولة.
محمود عباس، الذي يحكم منذ ما يزيد عن 15 عاما دون انتخابات، أصبح رمزا للاستبداد المقنع باسم الشرعية الثورية. كيف يمكن لرجل في التاسعة والثمانين من عمره أن يدعي تمثيل شعب يغلي غضبا وهو لم يستشره منذ عقد ونصف؟
الطامة الكبرى أن السلطة الفلسطينية فقدت بوصلتها السياسية تماما. بدلا من أن تكون جسرا نحو التحرير، أصبحت حاجزا أمامه يعيق كل أشكال النضال. التنسيق الأمني مع الاحتلال، وحماية المستوطنين، وقمع أي شكل من أشكال المقاومة، كل هذا جعل كثيرين ينظرون إليها كذراع من أذرع الاحتلال.هذا التحول الخطير في نظرة الشعب للسلطة ليس مجرد موجة غضب عابرة، بل تطور طبيعي لسنوات من الفشل المتراكم. عندما تصبح السلطة عدوا لطموحات شعبها، فإن سقوطها مسألة وقت لا أكثر.
- الخيارات المتاحة وتحديات المرحلة القادمة
أمام هذا الواقع المعقد، تواجه السلطة الفلسطينية تحديات جسيمة تتطلب قرارات جريئة وسريعة.
السؤال الأساسي، هل يمكن إنقاذ هذه السلطة أم أن الحل الوحيد هو إعادة بناء القيادة الفلسطينية من الأساس؟
القلق يتزايد داخل أروقة منظمة التحرير من احتمال استغلال إسرائيل لرحيل عباس المحتوم لتصفية السلطة نهائيا.
لكن السؤال الحقيقي، ألا يكون ذلك أفضل من استمرار هذا المسخ السياسي الذي لا يخدم سوى مصالح الاحتلال؟
المطلوب ليس مجرد تغيير الوجوه، بل ثورة حقيقية في الفكر والممارسة السياسية. يحتاج الشعب الفلسطيني لقيادة تفهم أن زمن المساومات والتنازلات انتهى، وأن الشعب الفلسطيني يريد قيادة تقاتل من أجله وليس ضده. التحدي الأكبر أن هذا التغيير يجب أن يحدث بسرعة، قبل أن تنهار البنية السياسية الفلسطينية بالكامل. فالوقت يجري ضد الجميع، والشعب الفلسطيني لن ينتظر طويلا. مستقبل القضية الفلسطينية لا يحتمل المزيد من التأخير أو المناورات السياسية الفارغة. الخيار واضح، إما التجديد الجذري والآن، أو الاندثار التام. والتاريخ لا يرحم الذين يتخلون عن شعوبهم في أحلك الظروف.