الألباب المغربية/ حليمة صومعي
رغم الشعارات البراقة حول “النموذج التنموي الجديد” و”العدالة المجالية”، تظل مدينة بني ملال شاهدة على واقع مرير عنوانه الإهمال والتأخر في تنفيذ المشاريع الكبرى التي كان من المفترض أن تغيّر وجه المدينة وتمنح ساكنتها الأمل في غد أفضل.
منذ أعوام، وعدد من المشاريع الاستراتيجية التي أُعلن عنها، لا تزال معلّقة دون تفسير واضح أو محاسبة حقيقية. ورغم أن هذه المشاريع أُدرجت ضمن برامج رسمية مثل برنامج التنمية الجهوية، فإن واقع حالها لا يسرّ أحداً.
مشاريع معلّقة ووعود تبخرت..
- المسرح الجهوي الكبير، كان من المنتظر أن يتحول إلى معلمة ثقافية وفنية تُعزز البنية الثقافية للمدينة وتخلق دينامية جديدة. لكن، بدل أن يفتح أبوابه أمام الجمهور، لا يزال المشروع يراوح مكانه، وسط تساؤلات مشروعة عن أسباب التأخر.
- قصر المؤتمرات، الذي تحدث عنه رئيس جهة بني ملال خنيفرة باعتباره مشروعًا استراتيجيًا لدعم السياحة وتنظيم التظاهرات الوطنية والدولية، لا يزال مجرد فكرة على الورق، ولم تخرج أشغاله إلى أرض الواقع كما كان مرتقباً منذ سنوات. كان هذا المشروع يُفترض أن يكون منصة لتعزيز إشعاع الجهة، خاصة في ظل وجود جيوبارك، ثاني أكبر جيوبارك في إفريقيا والمعترف به من طرف اليونسكو، والذي يُمثل ثروة جيولوجية وسياحية هائلة. لكن المفارقة المؤلمة أن هذا الجيوبارك، رغم كونه يوجد في جهة بني ملال خنيفرة، تستفيد منه مدينة مراكش أكثر من المدينة الأصلية، في غياب بنية تحتية قادرة على احتضان المنتديات واللقاءات الدولية، وعلى رأسها قصر المؤتمرات المعطل.
- المتحف الجهوي لبني ملال، جزء أساسي من الرؤية الثقافية للجهة، والذي كان سيُعزز مكانة المدينة كحاضنة للتراث والتاريخ، يعرف هو الآخر مصيراً غامضاً، رغم ما رُصد له من ميزانية، ودخوله ضمن أولويات التنمية الجهوية.
السياحة.. إمكانيات ضخمة تُقابلها بنية تحتية غائبة
من المعلوم أن مدينة بني ملال وإقليمها يُعدان من أجمل المناطق الطبيعية في المغرب، حيث تجمع الجهة بين الجبال والسهول، والشلالات والبحيرات، والغابات والمنتزهات، ما يجعلها من الوجهات السياحية الأكثر تميزاً على الصعيد الوطني.
غير أن هذه الثروة الطبيعية لم تُترجم إلى تنمية سياحية حقيقية. فبالرغم من التصريحات المتكررة لمسؤولي الجهة بأن التوجه التنموي للمنطقة هو بالأساس سياحي، فإن الواقع يكذب ذلك تماماً:
- لا وجود حقيقي لـ فنادق مصنفة بمستوى دولي قادرة على استيعاب الزوار وتنظيم التظاهرات الكبرى.
- المرافق الترفيهية نادرة، إن لم نقل منعدمة، سواء في المدينة أو في الضواحي.
- الفضاءات الخضراء داخل المدينة محدودة، وتفتقر إلى الصيانة أو التهيئة الحديثة.
- غياب محطات سياحية متكاملة، سواء في عين أسردون، أو نواحي أوزود، أو جبال تاغبالوت، يزيد من عزلة هذه المواقع، ويُفرغ الخطاب السياحي من مضمونه.
مطار بني ملال: بوابة تحتاج للتطوير والتوسيع
يعد مطار بني ملال من البنى التحتية الحيوية التي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية للمدينة والجهة. لكن المطار في وضعه الحالي يحتاج إلى توسعة عاجلة، وإضافة خطوط جوية جديدة تربطه بوجهات وطنية ودولية، ليصبح من بين أبرز المطارات المغربية.
التطوير المطلوب للمطار سيساهم في:
- جذب مزيد من الاستثمارات.
- تسهيل وصول السياح والفاعلين الاقتصاديين.
- دعم المشاريع السياحية والثقافية المهيكلة التي تعيش حالة جمود.
لكن، للأسف، لم نشهد حتى الآن أي خطوات جدية في هذا الاتجاه، مما يؤكد أن بني ملال لا تزال تعاني من نقص في الدعم الاستراتيجي والتوجيه السياسي الفعّال.
غياب إشعاع على الصعيدين الوطني والدولي:
بالرغم من المؤهلات الكبيرة التي تزخر بها مدينة بني ملال، سواء من حيث تنوعها الطبيعي أو غناها الثقافي والإنساني، إلا أن حضورها على الساحة الوطنية والدولية يظل باهتًا.
فلا نكاد نرى بني ملال ضمن خرائط الاستثمار السياحي الكبرى، ولا في أجندات التظاهرات الثقافية أو الاقتصادية ذات البعد الدولي، كما هو الحال في مدن مثل مراكش، فاس أو طنجة.
هذا الغياب ليس قدَراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لتأخر المشاريع الكبرى، وغياب بنية تحتية قادرة على مواكبة الطموحات، وانعدام رؤية تسويقية ذكية تبرز ما تزخر به الجهة.
ما يجعل الأمر أكثر إيلاماً، هو أن المدينة تملك من المقومات ما يؤهلها لتكون قطباً سياحياً واقتصادياً بامتياز، لكن ضعف الترافع الجهوي، وقصور السياسات العمومية في هذا الاتجاه، حوّلها إلى مدينة تعاني في صمت، وسط تجاهل مركزي واضح.
مسؤولية من؟
أمام هذا التعطيل غير المبرر، تُطرح أكثر من علامة استفهام حول دور الجهات المسؤولة، من مجلس الجهة إلى السلطات المحلية والمصالح الوزارية، التي يبدو أنها تتعامل مع المدينة بمنطق الإهمال والانتظارية.
أين المتابعة ؟ أين المحاسبة ؟ وكيف يمكن لمدينة بحجم ومكانة بني ملال أن تنتظر سنوات لتنفيذ مشاريع أساسية، بينما مدن أقل شأنا تستفيد من مشاريع مماثلة في آجال قياسية؟
بني ملال تستحق الأفضل
ما تطالب به ساكنة بني ملال ليس ترفاً، بل حق مشروع في التنمية والكرامة والمساواة. المدينة تزخر بالكفاءات، والإمكانات الطبيعية والبشرية، لكنها تظل رهينة لمنظومة تفتقد للنجاعة، والحزم، وربما الإرادة.
لقد آن الأوان لتجاوز مرحلة الشعارات، والانكباب الجدي على إخراج هذه المشاريع إلى حيز الوجود، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يخدم إلا اليأس… والمزيد من النزوح نحو مدن تعتبرها الدولة “أكثر أولوية”.