الألباب المغربية
(*) برنارد لوغان
يعود أصل التزوير الذي بُنِيَ عليه التاريخ الرسمي للجزائر إلى فترة الاستقلال. التاريخ الذي كُتِبَ حينها افترض وحدة السكان الذين ثاروا ككتلة موحدة ضد المستعمر، باستثناء أقلية صغيرة من “المتعاونين”، أي الحركيين. غير أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، ذلك أن الجزائريين الذين قاتلوا في الجيش الفرنسي كانوا أكثر من الثوار…
قال المؤرخ محمد حربي: “التاريخ جهنم وجنة الجزائريين”. تلخص هذه الجملة وحدها المسكوت عنه الأساسي في دولة يتأرجح تاريخها الرسمي بين منحدرات الواقع ومزالق الوهم من خلال تاريخ مختلق. هذا التاريخ، وهو نوع من الجنة” التاريخية المصطنعة، مؤسس على أساطير لا يؤمن بها أي مؤرخ جاد، ولكنها أصبحت عقيدة.
هل جنة الجزائريين تاريخهم؟
نعم، لأنه يعيد مؤرخي النظام باستمرار إلى البديهيات التي ينفونها، مما يجعل أي تحليل عقلاني صعبا إن لم يكن مستحيلا.
هل جحيم الجزائريين تاريخهم؟
مرة أخرى، نعم، لأنه من أجل نسيان الواقع، يتمسك هؤلاء المؤرخون الرسميون أنفسهم بتاريخ وطني ملفق.
يعود أصل التزوير الذي بُنِيَ عليه التاريخ الرسمي للجزائر إلى فترة الاستقلال، عندما كان من الضروري إظهار نوع من التماسك للمجموعات المختلفة المكونة للبلاد. من هنا برزت الحاجة إلى الوحدة من خلال القومية العربية-الإسلامية التي تلغي المكون الأمازيغي للبلاد. وهكذا اقتلعت الشجرة التاريخية الجزائرية من جذورها.
التاريخ الذي كتب حينها افترض وحدة السكان الذين ثاروا ككتلة موحدة ضد المستعمر، باستثناء أقلية صغيرة من “المتعاونين”، أي الحركيين. غير أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، ذلك أن الجزائريين الذين قاتلوا في الجيش الفرنسي كانوا أكثر من الثوار…
على عكس السجلات “القابلة للتوسيع” لجمعية المجاهدين، احتفظ الجيش الفرنسي بسجلات التجنيد والرواتب والمعاشات والتسريح وما إلى ذلك، مما يجعل من الممكن إثبات أنه في يناير 1961، في الوقت الذي بدأ فيه المسلسل المؤدي إلى الاستقلال، كان حوالي 250 ألف جزائري منخرط في الجيش الفرنسي، وهم على الشكل التالي:
60432 مستدعى.
27714 مجند.
700 ضابط.
4600 ضابط صف.
63000 حركي.
88700 فرد من مجموعات الدفاع الذاتي المسلحة.
وفقا للمكتب الفرنسي الثاني، في مارس 1962، عندما تم توقيع اتفاقيات إيفيان، كان عدد المقاتلين الوطنيين في الداخل 15200، سواء النظاميين أو المساعدين، وكان عدد المقاتلين في الخارج (جيش التحرير الوطني أو جيش الحدود) 22000 في تونس و10000 في المغرب. وهكذا كان عدد المقاتلين ما مجموعه 50 ألف رجل مسلح مقابل ما يقرب من 250 ألف في الجيش الفرنسي، أي أقل بخمس مرات.
المصادر الجزائرية قبل التزوير في السنوات الماضية لا تشير إلى اختلافات كبيرة مقارنة بالمصادر الفرنسية. في كتابه المنشور سنة 1997، كتب بن يوسف بن خدة، آخر رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أنه في نهاية الحرب، كان ثوار الداخل يضمون 35 ألف مقاتل (15200 في المصادر الفرنسية)، 7000 في الولاية الأولى و5000 في الولاية الثانية و6000 في الولاية الثالثة و12000 في الولاية الرابعة، و4000 في الولاية الخامسة و1000 في الولاية السادسة.
وبما أن عدد جيش التحرير الوطني، جيش الحدود، معروف، أي أكثر بقليل من 30 ألف رجل، وفقا للأرقام التي قدمها الوطنيون الجزائريون، وبالتالي فإن أعداد المقاتلين الوطنيين كانت أقل بقليل من 70 ألف رجل، أي ما يقرب من ربع عدد الجزائريين الذين كانوا يخدمون في الجيش الفرنسي آنذاك، أي 250 ألف جزائري.
تزوير التاريخ يمتد أيضا إلى فترات تاريخية قديمة. وهكذا فإن التاريخ الرسمي للجزائر يقدم تلمسان أو بجاية، على أنهما نواة الدولة الجزائرية، في حين أظهرت مقالات سابقة أننا أمام إمارات لم تشكل أبدا نواة الدولة الجزائرية. وفي نفس الفترة الزمنية، مع فاس ومراكش، شكل المغرب إمبراطوريات من خلال مختلف السلالات: المرابطية والموحدية والسعدية والمرينية والعلوية. لم يحصل مثل هذا الأمر في الجزائر. وفضلا عن ذلك، فإن استقلال بجاية وتلمسان، المحاصرتين بين المغرب وتونس، كان مؤقتا فقط.
لم يشجع الأتراك بناء دولة قومية. وهكذا، عندما نزل الجيش الفرنسي في عام 1830 في سيدي فرج، لم تكن الجزائر موجودة. كانت فرنسا هي التي أنشأتها من خلال تجميع مناطقها، وضم أراضي مغربية تاريخيا إليها، وتسميتها ووضع حدودها، وفتحها على صحراء لم تكن الجزائر أبدا تمتلكها.
(*)مؤرخ فرنسي متخصص في التاريخ الإفريقي