الألباب المغربية
تم اليوم الجمعة 24 أكتوبر الجاري، نشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة، بعدما تفضل أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالاطلاع عليها وأذن جلالته بوضعها رهن إشارة العموم.
وفيما يلي النص الكامل لنص فتوى الزكاة
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الرسول الأمين
وعلى آله وصحبه الأكرمين
تقديــــــم الفتوى
في البداية، تتشرف الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، بأن تتقدم، بعد ما يليق من آيات الإجلال والولاء، إلى حضرة أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعزه الله، رئيس المجلس العلمي الأعلى، بأصدق التعبير وأوفاه عن مشاعر اعتزاز أعضاء المجلس بالتشريف الذي غمرهم به أمرُه المنيف بأن يقوموا بإصدار فتوى شرعية في موضوع أحكام الزكاة، مقدّرين أن هذا التوجيه الذي يدخل في صميم حماية الدين بتبليغه وبيان أركانه، يزداد معنى، ويسمو رمزية، بتزامنه بالتوجيه الذي أصدره حفظه الله بقصد الاحتفاء اللائق، من جهة العلماء، بذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد جده الرسول الكريم، عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، وهو النبي الذي كانت في مقدمة أمانات تبليغه أركان الدين، وفي صدارتها، بعد الإيمان، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، حيث بيّن ما جاء في القرآن الكريم من عظيم قدرها في العلاقة مع الله تعالى، وعميق أثرها في تحرير الإنسان من الشح والبخل.
حفظ الله مولانا الهمام وجعله على الدوام حافظا لعهد جده المصطفى عليه الصلاة والسلام في كل ما من شأنه أن ينشر رسالته بين الأنام.
بعد هذا التعبير الصادق، والتمجيد اللائق، يود المجلس العلمي الأعلى أن يبدي، في صدارة نص هذه الفتوى المتعلقة بالزكاة، التوضيحات الضرورية التالية:
أولا: يبيّن المجلس أن القصد، حصريا، من إصدار هذه الفتوى هو بيان أحكام الزكاة لمن تجب عليه مسئوليتها؛
ثانيا: إن العلماء بإصدار الفتوى إنما يقومون بواجبهم في التذكير والتبليغ؛
ثالثا: تشتمل هذه الفتوى على بيان ما يحتاج إليه المكلف في القطاعات التي تتعلق بها الزكاة؛ وهي أنواع الأموال التي تجب فيها، ومقدار ما يجب في كل نوع، ومتى يتعين إخراجها، ومن يستحق أن تعطى له؛
رابعا: اعتمد المجلس في معظم أحكام هذه الفتوى على ما ورد في المذهب المالكي؛
خامسا: استعملت الفتوى المصطلح الفقهي المعتاد مع شرحه بما ييسر الفهم لعموم الناس؛
سادسا: استوعبت الفتوى ما يتعلق بالزكاة كما ورد تقريره في كتب الفقه أو في ما يستنبط منها، علما بأن توسع النشاط الإنساني وتعقده في هذا العصر، اقتصاديا وماليا واجتماعيا، قد تتولد عنه حالات تمكن معالجتها بالقياس على الأحكام الأصلية أو بالنظر إلى المقاصد، لذلك فإن المجلس سيظل مواكبا للموضوع في اجتهاد مفتوح؛
سابعا: يمكن لكل من عنده حالة خاصة، لاسيما في زكاة الأنشطة الجديدة المدرة للمال، أن يتوجه بالسؤال إلى المجلس العلمي الأعلى، وذلك بإرسال السؤال مكتوبا أو مسجلا بالصوت على موقع إلكتروني سيعلن عنه المجلس بعد نشر هذه الفتوى؛
ثامنا: من المناسب في هذا التقديم أن نوضح الفرق بين الضريبة وبين الزكاة، وهو أن الضريبة تأخذها الدولة من الناس مقابل مختلف الخدمات التي تقدمها لهم، والزكاة يخرجها المكلفون من الأموال حسب أحكامها الشرعية، وتستفيد منها الفئات المبينة بنص القرآن الكريم؛
تاسعا: إن الزكاة يعطيها المزكي استجابة لأمر الله؛
عاشرا: إن المقصد الذي بيّنه القرآن الكريم من الزكاة في قوله تعالى: ﴿خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ (التوبة: الآية 104) هو الفائدة التي تعود على المعطي، بتحريره من الشح والبخل.
وبعد هذا نقول وبالله التوفيق إن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه العظمى، وأساس من أسسه الكبرى التي تنبني عليها أحكام الإسلام الأخرى، المقوِّمة لحياة المسلم.
وفي هذه الفتوى أصول ما يجب أن يستحضره المسلم عن هذه الفريضة، وعرض ضروري لأحكامها على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه.
فالزكاة حق محدد أوجبه الله في المال إذا بلغ مقدارا معينا، ليصرف على المستحقين المحددين في قوله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ (التوبة: الآية 60).
نص الفـتوى
الأموال التي تجب فيها الزكاة
لقد اتسع نطاق مفهوم المال في الواقع المعاصر، ويمكن رده إلى القطاعات الكبرى الآتية:
قطاع الفلاحة؛
قطاع الماشية؛
قطاع منتجات الفلاحة من غير الحبوب؛
قطاع الغابات؛
قطاع الصيد؛
قطاع التجارة؛
قطاع الصناعة؛
قطاع الخدمات
ويندرج في كل قطاع عشرات الأنواع من الأموال التي يمكن اعتبارها مما تجب فيه الزكاة؛ ويمكن أن يُستأنس في هذا الباب ب “التصنيف المغربي للأنشطة الاقتصادية” الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، وهو تصنيف مبني على 21 قطاعا و88 فرعا و274 شعبة و650 نشاطا، ولذلك فالأنشطة المذكورة تحت القطاعات في هذه الفتوى إنما هي مذكورة على سبيل المثال، ولكن حكم ما لم يذكر من ذلك القبيل هو نفس الحكم في ما يرجع للنصاب وللقدر الواجب فيها.
قطاع فلاحة الحبوب والثمار
تزكى الحبوب والثمار، إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق أي ثلاثمائة صاع نبوي وهو ما يساوي 653 كلغ تقريبا، وذلك بإخراج العُشُر (%10)، إذا كانت تسقى بماء المطر، أو نصف العشر (5%)، إذا كانت تكلف صاحبها نفقات الري؛
وأما الحبوب والثمار وغيرها التي يقصد بها التجارة فتزكى زكاة العروض (أي ربع العشر 2.5%) إذا بلغت قيمتها النصاب.
قطاع الماشية
الإبل: ونصابها خمسة رؤوس.
جدول يرسم النصاب والواجب فيه:



وأما ما عدا زكاة الحبوب وزكاة الماشية، فإن تقدير النصاب يدخل في زكاة النقود، بما في ذلك العروض، وهو تابع لنصاب الذهب والفضة.
ونصاب الذهب هو عشرون دينارا (ما يعادل 85 ج)؛ ونصاب الفضة هو مائتا درهم (ما يعادل 595 ج)، وهكذا فالنصاب في زكاة الأموال بالنسبة لمرجع الفضة بحسب سعرها اليوم (12درهما للغرام الواحد) هو 7438 درهما مغربيا، وبالنسبة للذهب (بحسب 800 درهم للغرام الواحد) هو 68000 درهم مغربي. وقد تتغير هذه المقادير بتغير هذه الأسعار.
وتقترح الفتوى أن يكون التقويم في تقدير النصاب على أساس الفضة، ومن شاء أن يعتمد تقويم الذهب فله ذلك. وعلى هذا الأساس يمكن تقدير النصاب بمرجع الفضة في القطاعات الآتية:
وهذه تجب الزكاة في أثمانها إذا بلغت النصاب على النحو السابق بعد خصم التكاليف المتطلبة في كل نشاط.
ويتضمن أيضا المتاجرة في الأسهم والعملات، ومحصلات الشركات التجارية وغيرها.
وتجب الزكاة فيها إذا بلغت قيمتها النصاب، على النحو السابق، وذلك بعد خصم تكاليف التدبير كأجور العمال وأثمان الكراء والضرائب إذا حل أجلها قبل وقت إخراج الزكاة وغير ذلك من تكاليف التدبير.
الصناعة الغذائية: وتدخل فيها المنتجات الغذائية ومعلباتها ومعلبات اللحوم والثمار والمصنعات الطعامية والزيوت والدهون وصلصة الطماطم والمكسرات والمربى والمخللات والهلاميات ومركزات العصير والزيوت والدهون النباتية والحيوانية، ومنتجات الألبان والمشروبات…
يختلف الحول، أي مرور العام، في أوعية الزكاة (الأموال التي تجب فيها)، باختلاف أنواعها :
– الفقراء والمساكين، وهما فئتان من المجتمع بهما خصاصة وحاجة، على تفاوت في هذه الحاجة.
غير أن الفقر لم يعد، على مستوى المجتمع، موضوعا متروكا للحكم الجزافي، بل صار موضوعا للقياس والتصنيف على المستويين الدولي والوطني، وذلك من خلال الدراسة العلمية لمستوى العيش ولمدى القدرة على تلبية الحاجات الأساسية وغيرها، ويتدخل فيه السلوك الاستهلاكي الذي يختلف من الوسط الحضري إلى الوسط القروي للأسر، وقد يوصف بوصف “الهشاشة” أو بالفقر “المطلق” أو الفقر “النسبي”، إلى غير ذلك، والبلدان تقيس تقدمها الاجتماعي بمدى تحسن حالها بهذه المرجعيات المقدرة تقديرا إحصائيا؛
ويمكن أن يُفهم من ورود الفقراء والمساكين في مقدمة المستحقين أن أولوية الزكاة هي سد الخصاص في الحاجات الضرورية لعيش الناس، بحيث تأتي الوجوه الأخرى تالية في الاستحقاق.
أما الأصناف الثلاثة وهي العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب، فإنها غير واردة في سياقنا الحاضر.
أما الغارمون: فهم الذين عليهم ديون لا يستطيعون أداءها؛
وابن السبيل: وهو المحتاج المنقطع عن بلده، وللمزكي أن ينظر في من تحقق بهذا الوصف؛
أما الصنف الآخر وهو “في سبيل الله”: فيعني مختلف أوجه نفع الإسلام.
لا يجوز إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته على المزكي كالوالدين الفقيرين والأولاد غير البالغين والزوجة. لا زكاة في الأشياء المتخذة للزينة كالحُلِيِّ وما في حكمها، وإذا بيعت وجبت زكاتها إذا بلغ ثمنها النصاب ومضى عليه العام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فتوى المجلس العلمي الأعلى في موضوع الزكاة