الألباب المغربية/ إبراهيم فاضل
انطلق المهرجان الوطني للمسرح بتطوان في دورته الخامسة والعشرين، مساء الجمعة 14 نونبر، وسط أجواء محتقنة وغير مسبوقة في تاريخ التظاهرة، فالمسرحيون المغاربة يعيشون اليوم واحدة من أكثر اللحظات توتراً مع وزارة الثقافة، بسبب تأخير غير مفهوم ولا مبرّر لصرف الدعم العمومي الخاص بموسم 2025، وهو ما دفع الفرق المشاركة إلى الوصول لتطوان في وضع مالي مهين، حيث تعجز عن أداء مستحقات الممثلين وتغطية تكاليف التنقل والإقامة، بينما يؤكد مهنيون أن الوزارة تصرف مبالغ ضخمة في اتجاهات أخرى لا علاقة لها بمساطر الدعم، في حين يُترك المسرح الحقيقي يتخبط في العجز والانهيار، بل إن بعض الفرق لم تتوصل بعد بدعم 2024 أصلاً، ما جعل السؤال مطروحاً بحدة، بأي منطق تُلزم الوزارة الفرق بتنفيذ العروض واحترام العقود وهي نفسها لا تحترم التزاماتها القانونية في صرف الدفعات الثلاث؟ وكيف يُنتظر من مسرح وطني أن يبدع وينافس ويستمر في ظل هذا الشح المقصود؟
وفي موازاة هذه الفوضى المالية التي تشلّ الحركة المسرحية، انفجرت فضيحة أخرى أربكت الساحة بالكامل، تتعلق ببرمجة عرض “الحراز” داخل المسابقة الرسمية باسم فرقة الكواليس للفن والثقافة من الرباط، بينما العمل، كما يعرف كل متابع للمشهد المسرحي هو إنتاج كامل للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي “ليزاداك”، من إشراف لطيفة أحرار، وإنجاز طلبة الدفعة الأخيرة الذين قدموه قبل أسابيع على خشبة مسرح محمد الخامس في احتفالية رسمية أثنت عليها الصحافة والجمهور، ما أثار موجة غضب كبيرة واتهامات مباشرة بالسطو الفني والتحايل وتبخيس مجهود الشباب، خاصة وأن كل العروض المنتقاة تقريباً مدعومة إنتاجاً وترويجاً، باستثناء عمل أو اثنين، وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً حول شفافية لجنة الانتقاء التي اعتمدت كالعادة على مشاهدة عبر حوامل إلكترونية بدل المعاينة المباشرة، وهو نهج طالما انتقده المسرحيون باعتباره باباً للخطأ والتجاوز، فيما كان من الطبيعي الاعتماد على لجنة الدعم التي تشاهد العروض فعلياً طوال السنة، أو فتح باب الترشيحات في وقت مبكر لتمكين اللجنة من المعاينة الحية دون أعذار، لكن الغريب أن الوزارة تصرّ على طرق تفتح فجوات كثيرة، فجوات تسمح بتمرير أعمال خارج المسطرة وتجاهل أخرى تستحق التنافس.
والسؤال الأكبر اليوم هو، كيف لفرقة أن تتبنى عرضاً لم تنتجه ولم تمول تدريبه ولم تساهم فيه بأي درهم أو جهد؟ وكيف قبلت لجنة الانتقاء عملاً يُعرَض منذ أسابيع باسم طلبة “لِيزاداك” ويوثق له الإعلام ؟ وكيف سيقف الخريجون الشباب أمام هذا “الاختطاف الفني” لعملهم الأول؟ إن ما حدث صدمة حقيقية للطاقم التربوي ولمن آمنوا بأن المعهد يهيئهم لمهنة تُبنى على الصدق والاحترام، لا على التحايل والمسالك الملتوية، وفي المقابل، يُطرح سؤال آخر لا يقل خطورة، ما موقع لجنة التحكيم من هذا العبث؟ وكيف تحكم على عرض دخل المنافسة من باب غير قانوني ؟
إن هذه الفضيحة، إضافة إلى أزمة الدعم المالي، تجعل انطلاق مهرجان تطوان هذا العام أقرب إلى انفجار مفتوح منه إلى احتفال وطني، وتضع الوزير أمام مسؤولية مباشرة تتطلب تدخلاً عاجلاً لتصحيح الوضع، بدءاً بسحب عرض “الحراز” من المنافسة الرسمية واحترام حق طلبة “لِيزاداك” المعنوي فيه، مروراً بفتح تحقيق جدي في طريقة إدراج العرض باسم فرقة أخرى، وصولاً إلى صرف مستحقات الفرق فوراً قبل أن يتحول الغضب إلى قطيعة مع الوزارة والمهرجان معاً؛ فالمسرح المغربي لا يمكن أن ينهض فوق البؤس والتهميش والقرارات الارتجالية، ولا يمكن أن يزدهر بينما يُهضم حق الشباب ويُكافأ التحايل ويُعاقَب الإبداع الحقيقي بالصمت واللامبالاة، وما يحدث اليوم ليس سوى انعكاس خطير لخلل عميق يهدد مستقبل المسرح الوطني برمّته، ويحوّل لحظات النجاح التي يصنعها الشباب إلى إخفاقات مفروضة عليهم دون وجه حق، وهو أمر لم يعد مقبولاً لا أخلاقياً ولا مهنياً ولا وطنياً.