الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
تشهد بلادنا موجة احتجاجات واسعة تتخذ مسارات خطيرة، سواء كانت موجهة من جهات داخلية أو خارجية أم لا. لكنّ الحقيقة الثابتة التي يتفق عليها الجميع هي فشل الحكومات المتعاقبة في تقديم حلّ جذري لمشاكل الناس اليومية، وبخاصة الحكومتين الأخيرتين اللتين تَسِمُهما سياسات المصالح والزج بالمقدسات لخدمة حسابات ضيقة.
إذا ظهرت هذه الخرجات في ذروة الأزمة فإنها شهادة قاطعة على أن هذه الحكومة – بكل تصريحاتها ومناوراتها – ليست أهلًا لقيادة الإصلاح. الانتظار والتسويف وادعاء انتظار الملفات المطلبيّة لا يزيدان الأمور إلا تفاقمًا ويبرزان عجزًا إداريًا وسياسيًا واضحًا. فقد أصبح التشخيص واضحًا والعلاج معروفًا: إنّ مرضنا الأساسي هو غياب العدالة الاجتماعية في قطاعات حيوية، إضافة إلى ملفات استراتيجية مهملة، أبرزها ملف الطاقة وقرار إقبار “لاسامير”.
تشخيص المرض:
- غياب العدالة الاجتماعية: الخدمات الأساسية غير متاحة للجميع بالمستوى اللائق. الفوارق تتسع بين من يتمتعون بالخدمات ومن يعانون.
- خصخصة الصحة وأثرها: تحويل الصحة إلى سوق جنى أرباح لبعض الجهات أدى إلى اغتناء البعض على حساب معاناة المرضى وفقدان ثقة المواطنين في النظام الصحي.
- تعليم منهار: منظومة التعليم تحتاج إلى إعادة بنية شاملة لتكوين مواطن مفكر وفاعل.
- قضاء هشّ ومواطنة ناقصة: غياب نجاعة القضاء وتحيز القوانين لأصحاب النفوذ يقلل من مفهومي المساواة وسيادة القانون.
- ملف الطاقة وإقبار “لاسامير”: إغلاق المصفاة الوطنية حرَم المغرب من استقلالية استراتيجية في التكرير والتخزين، وجعل السوق رهينة لوبيات الاستيراد، ما رفع كلفة المحروقات وأثقل كاهل المواطن. كما كشف عن غياب رؤية واضحة في إدارة ملف الطاقة الوطني.
- نهب وريع: جرائم الريع والفساد التي رافقت بعض المشاريع الكبرى (بما في ذلك المخطط الأخضر) تسببت في خسائر بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة.
- أمن غذائي ومائي مهددان: اختلالات في السياسات الزراعية وتجاوزات بيئية أثرت على الفرشة المائية والأمن الغذائي.
مقترحات حلول عملية وعاجلة:
- إعادة تأميم القطاعات الاستراتيجية أو فرض رقابة صارمة على الخصخصة مع آليات شفافية ومساءلة واضحة في قطاع الصحة
- إشراك كفاءات مغاربة العالم – حقيقية ومستقلة – في لجان وطنية لإصلاح الصحة والتعليم والزراعة والطاقة دون أن تتحول إلى زوبعة مصالح.
- إصلاح التعليم يبدأ بجرد حقيقي لمخرجاته، تحديث مناهجه، تأهيل الأساتذة، وربط التعليم باحتياجات سوق العمل والبحث العلمي.
- قضاء نزيه: استقلالية حقيقية للقضاء وتفعيل مبدأ “القانون فوق الجميع” مع إجراءات سريعة لمحاكمة الفاسدين دون استثناء.
- ملف الطاقة: فتح تحقيق وطني مستقل حول إقبار “لاسامير”، دراسة جدوى إعادة تفعيل نشاطها أو إنشاء بدائل وطنية للتكرير والتخزين، ووضع استراتيجية شاملة للطاقة تدمج الاكتفاء الذاتي والطاقة المتجددة.
- مراجعة المخطط الأخضر وتقييم تأثيراته البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ومحاسبة المتورطين في انتهاكات الريع أو استنزاف الموارد المائية.
- خارطة طريق للأمن الغذائي والمائي: مشاريع مستدامة للري، تشجيع الزراعة المستدامة، وتحفيز السلاسل المحلية للغذاء.
- آليات محاسبة فورية: لجان تحقيق مستقلة وشفافة في قضايا النهب والفساد، ونشر نتائج التحقيقات أمام الرأي العام.
- حوار مجتمعي حقيقي: فتح منبر وطني يجمع ممثلين عن المجتمع المدني، النقابات، الكفاءات، و”شباب الحراك” لصياغة حلول قابلة للتطبيق.
– دعوة للوعي والمسؤولية
المطلوب اليوم ليس شعارات فارغة ولا هدر في المواجهات، بل شجاعة في التشخيص ووضوح في الإجراءات. الشعب المغربي لا ينتظر معجزات؛ هو ينتظر إرادة حقيقية للإصلاح ومحاسبة للمفسدين وإشراك للكفاءات. من يريد الخير لوطنه يفرح للإنجاز ويَنتقد بالموضوعية حين يُظلم الوطن – وهذه هي سيرة المنصف الحقيقي.
أناشد الجميع: لا نخضع للتيه وبثّ اليأس؛ لا نخفي وجه الحقيقة ولا نستنجد بالاتهامات السهلة. لنحارب الفساد بكل روح مدنية وشجاعة فردية، ولو كنا وحدنا، لأن الوطن يعلو فوق كل المصالح الضيقة..