الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
يتجه النقاش العام حول تقدم المغرب غالبًا إلى التركيز على المشاريع العمرانية والبنية التحتية، متجاهلين أن الإنسان المغربي هو الركيزة الأساسية لأي تقدم حقيقي. فالإنجازات في الطرق والموانئ والمدن الذكية مهمة، لكنها لا يمكن أن تستمر ولا تحقق التنمية الشاملة إذا لم يصاحبها استثمار حقيقي في التعليم، الصحة، الدين، الإعلام، العدالة، والوعي المجتمعي.
إن التنمية المستدامة لا تُقاس فقط بالأرقام والمشاريع، بل بقدرة الدولة على بناء مواطن متعلم، واعٍ، منتج، ملتزم بالقيم الوطنية والأخلاقية، وقادر على المشاركة في التنمية. لهذا، لا بد من تحليل الإنجازات الحالية، التحديات الهيكلية، ودور السياسات العمومية في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل.
- الإنجازات الوطنية رغم الإكراهات
المغرب حقق عدة إنجازات مهمة في العقود الأخيرة، رغم الإكراهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من أبرز هذه الإنجازات:
1) البنية التحتية والتنمية العمرانية:
- توسعت شبكة الطرق والسيارات والموانئ والمطارات، مما عزز القدرة الاقتصادية والتواصلية بين المدن والمناطق النائية.
- المشاريع العمرانية الكبرى، مثل المدن الذكية والمجمعات الصناعية، ساهمت في زيادة القدرة الاقتصادية للمملكة وتعزيز الجاذبية الاستثمارية.
2) السيادة الوطنية واسترجاع الأراضي:
- استكمال الحدود الحقة وتحقيق وحدة التراب الوطني يبرزان حرص الدولة على حماية سيادتها.
- معارك استرجاع الأراضي الوطنية تؤكد تصميم المغرب على حماية مكتسباته الترابية والاقتصادية.
3) التنمية الرياضية واستقطاب مغاربة العالم:
- جهد الجامعة الملكية لكرة القدم بقيادة لقجع في استقطاب لاعبي مغاربة العالم يظهر نموذجًا ناجحًا لاستغلال الكفاءات المغربية بالخارج.
- هذا النجاح الرياضي يفتح الباب للتساؤل حول إمكانية استقطاب الكفاءات العليا في مختلف القطاعات الحيوية من مغاربة العالم، لتسريع الإصلاح وتعزيز التنمية.
- أزمة الإنسان المغربي: التعليم والصحة والوعي
رغم هذه الإنجازات، يظل الإنسان المغربي يواجه تحديات هيكلية، تهدد استدامة التنمية:
- التعليم:
- النظام التعليمي الحالي يعاني من ضعف كبير في تكوين أجيال متعلمة ومنتجة.
- غياب التركيز على القيم الدينية والأخلاقية يترك فراغًا يملؤه الإعلام التافه أو التأثيرات الخارجية.
- الحل ممكن من خلال الاستفادة من التجارب التعليمية العالمية وتكييفها وفق الخصوصية المغربية، لضمان تكوين أجيال قادرة على الإنتاج والإبداع والمساهمة في التنمية الوطنية.
- الصحة:
- المواطن يعاني من نظام صحي ضعيف، يفتقر إلى الوقاية الكافية وإمكانيات علاج الأمراض المزمنة.
- رغم تقديم مقترح إصلاح منظومة الصحة عبر السفارة المغربية في هولندا، كان الرد التجاهل التام، ولم يصلنا حتى كلمة شكر أو تأكيد استلام المقترح، وهو ما يعكس عدم الاهتمام الحقيقي بالاقتراحات البناءة القادمة من مغاربة يحبون وطنهم ويسعون لتطويره.
- الدين والإعلام:
- هناك تهميش للدين في التعليم الرسمي والمساجد، والإعلام غالبًا يركز على محتوى تافه أو يمس الهوية الدينية، سواء عن وعي أو غير وعي.
- الفراغ القيمي والروحي يصبح أرضًا خصبة لاستغلال بعض الأجندات الخارجية والخونة الداخليين، ما يضر بالهوية الوطنية وبقدرة المجتمع على مواجهة التحديات.
- الرياضة كمؤشر اجتماعي:
- ما شهده الجمهور في مباراة الجيش الملكي ضد الأهلي المصري كشف هشاشة الوعي الرياضي والمدني، وغياب القدرة على التعبير عن الوطنية بطريقة حضارية ومؤثرة.
4) مغاربة العالم كمورد استراتيجي
نجاح لقجع في استقطاب لاعبي كرة القدم من مغاربة العالم يمثل نموذجًا عمليًا يمكن تعميمه على الوزارات السيادية.
- الاستفادة من مغاربة العالم في مجالات التعليم، الصحة، القضاء، الاقتصاد، والإدارة العامة يمكن أن يسرع وتيرة الإصلاح ويخلق بيئة تنافسية وإبداعية.
- يجب وضع آليات تشجيعية واضحة لاستقطاب الكفاءات العليا، بما يضمن تبادل الخبرات الدولية وتحسين جودة السياسات العمومية.
5) الوزارات السيادية وأهمية العدالة
- الوزارات السيادية الحالية، مثل المالية والداخلية والدفاع، تقوم بدور جيد، إلا أن هامش التطور يبقى دائمًا موجودًا.
- من الضروري إدراج وزارة العدل ضمن الوزارات السيادية، لأن العدالة حجر الزاوية لأي تقدم اقتصادي أو اجتماعي.
- بدون عدالة فعالة ومستقلة، لا يمكن تكافؤ الفرص، ولا يمكن لأي إصلاح أن يستمر، ولا يمكن بناء مواطن واعٍ ومنتج.
6) المسؤولية الوطنية
- الدولة تتحمل المسؤولية الأكبر في توجيه المجتمع نحو التعليم، الصحة، الإعلام، العدالة، والقيم.
- المواطن يتحمل نصيبًا محدودًا، لكن الإطار العام الذي توفره الدولة هو الذي يصنع الفرق في إنتاج مواطن واعٍ، منتج، ملتزم بالقيم الوطنية.
7) التعليم كأداة استراتيجية
- التعليم يجب أن يكون أداة لإنتاج أجيال متعلمة ومنتجة، قادرة على الابتكار والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
- الاستفادة من الأنظمة التعليمية المتطورة عالميًا مع تكييفها وفق الخصوصية المغربية يضمن نجاح الإصلاحات.
- دمج القيم الدينية والأخلاقية يخلق مواطنًا متوازنًا قادرًا على مواجهة تحديات المستقبل.
8) الخاتمة: حب الوطن والتزام الإصلاح
حب الوطن لا يعني السكوت عن الفساد أو التراجع عن المطالبة بالإصلاح. التنمية المستدامة تحتاج إلى:
- توازن بين العمران والإنسان
- توازن بين التنمية المادية والقيم الأخلاقية والروحية
- استثمار حقيقي في التعليم والصحة والعدالة والإعلام الهادف.
الوطن يُبنى بالإنسان المتعلم، الواعي، السليم جسديًا وروحيًا قبل أي مشروع عمراني أو بنية تحتية.