الألباب المغربية/ إيمان وليب
في رحاب الجامعات المغربية، تتلاقى الأرواح العطشى للمعرفة والخيال، من تم انبثقت عدة مبادرات علمية ومعرفية وغيرها وانطلقت شعلة المسرح الجامعي كنور يضيء دروب الإبداع والتجديد. على خشبات الجامعات العريقة وخشبات المسارح عبر المحيط الجامعي وانفتاحا على الذات والآخر، بدأت الحكايات تُروى بشغف الطلاب وحماسهم، تنبض بالحياة وتنسج خيوط الأمل والتطلعات، لذا تأتي شهادتنا هذه عن المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، الذي يحتفي بدورته 36 في المرحلة الممتدة من 1 إلى 7 يوليوز 2024.
في أواخر الخمسينيات ومطلع الستبنيات من القرن الماضي زهرت شرارة أولى للمسرح الجامعي وذلك حينما كانت الجامعة ملاذًا للأفكار الحرة، بدأت أولى مشاهد المسرح الجامعي تتجسد في جامعة محمد الخامس بالرباط، وقبلها وتزامنا معها بجامعة فاس بين القرويين وسلطان الطلبة وجامعات الحديثة، حيث تناثرت الكلمات كزهور الربيع، تنبثق من قلوب الشباب المتحمس للفن والثقافة. حينها كانت النوادي الطلابية ترعى هذه البذور، تسقيها بحبٍ وعناية، لتنمو وتزهر عروضًا مسرحيةً مبهرة، وتوالت التجارب في السبعينيات من القرن الماضي مع دينامية مسرح الهواة وبزوغ تجارب وتنظيرات ومدارس مسرحية تتلمس طريقها نحو الانعتاق والتأسيس الحديث لمسرح يقدم رسالة ويحمل قضية.
في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ومع أفول مسرح الهوات، ازدهرت الحدائق المسرحية في الجامعات المغربية، وأصبحت الفرق المسرحية الطلابية كطيور حرة تحلق في سماء الإبداع. كانت العروض تحمل صدى قضاياها الاجتماعية وغيرها وتعكس آمال الشباب وأحلامهم في التغيير. ومع بزوغ الفجر الجديد، إلى مرحلةالألوان الزاهية، حيث أصبحت الجامعات معقلا للفن والنقد، تحتضن فرقًا جامعية نتيجة محترفات هنا وهناك، تؤثث الدورات الأولى للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، وحمال هذا اللواء هم الآن في التدبير والتسيير وقيادة الكشاريع الثقافية والفنية والإبداعية والإعلامية على عدة مستويات وداخل عدة مؤسسات خاصة وعامة، بهؤلاء توسعت الحركة المسرحية الجامعية وأصبحت الجامعات مساحات حقيقية للتعبير الفني والنقد الاجتماعي. إلى أن تأسست فرق مسرحية محترفة من بين خريجي المسرح الجامعي والمؤسسات الموازية له، مما ساهم في نقل التجارب الطلابية إلى الساحة المسرحية الوطنية بل إلى قيادة المرحلة وتحريك إبداعها، الأمر الذي يفسر أن كلية الآداب بنمسيك، واحدة من أبرز المراكز التي احتضنت المسرح الجامعي؛ وهي تلعبت دورًا محوريًا في تعزيز هذا الفن الراقي. بناء علىالدعم العلمي والمعرفيالكبير الذي قدمته الجامعة المغربية للطلاب المهتمين بالمسرح، حيث أصبحت مسرحًا للأحلام والتطلعات الفنية، ومساحة للتعبير الحر والإبداع الخلاق.
للإشارة فالمسرح الجامعي في المغرب والابن الشرعي والعلمي للمسرح المغربي ليس مجرد خشبة وأضواء، بل هو حديقة غنّاء تثمر فنانين ومبدعين، يثرون الساحة الثقافية بأعمالهم وإبداعاتهم. هو نبض الحياة في الجامعات، يحمل في طياته أحلام الشباب وآمالهم، ويعكس بألوانه الزاهية رؤيتهم للمستقبل، وبذلك ساهم المسرح الجامعي بشكل كبير في تطور المسرح المغربي على مستوى اكتشاف العديد من الممثلين والمخرجين والكتاب المسرحيين الذين أثروا المسرح المغربي بأعمالهم، بل حتى النقاد والمنظمين للمهرجانات التيماتيكية، وبفضل المسرح الجامعي تم تطوير النقد المسرحي من خلال العروض والنقاشات التي تدور حولها، وبذبك ساهم المسرح الجامعي في تطوير الفكر النقدي في المسرح، وهي الدينامية التي أهلت المسرح الجامعي بأن يصبح حقلًا خصبًا للتجريب والابتكار في أساليب التمثيل والإخراج، مما أضاف روحًا جديدة للمسرح المغربي، وبالموازاة ساهم المسرح الجامعي في نشر الوعي الثقافي والمسرحي بين الطلاب والجمهور العريض، مما زاد من إقبال الجمهور على المسرح من خلال تتيع والاستفادة من خدمات المهرجانات والفعاليات المسرحية الجامعية، وقد تم تعزيز التواصل والتبادل الثقافي من خضم هذا التفاعل بين الجامعات المغربية والجامعات الدولية، مما أثرى التجربة المسرحية المغربية.