الألباب المغربية/ حليمة صومعي
شهد المؤتمر الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ببني ملال، المنعقد أمس الجمعة 13 يونيو 2025 تحت شعار: “تخليق الممارسة السياسية مدخل أساس لتنمية مجالية مستدامة”، أحداثًا صادمة هزّت أركان الحزب بالجهة، وأطلقت شرارة غضب غير مسبوقة في صفوف مناضليه، ما ينذر بانقسامات قد تعصف بوحدة الحزب.
المناضلون الذين توافدوا إلى المؤتمر الإقليمي، كانوا يأملون في محطة ديمقراطية حقيقية تُعيد الروح إلى التنظيم الحزبي وتفتح المجال أمام الطاقات الجديدة، لكنهم فوجئوا بما اعتُبر “انقلابًا” على قواعد التنافس الشريف والديمقراطية الداخلية. فقد تم تعيين السيد فاضل براس كاتبًا إقليميًا للحزب ببني ملال دون إجراء أي عملية انتخابية أو فتح باب الترشح أمام المناضلين.
هذا التعيين أثار موجة من السخط داخل القواعد الحزبية، خاصة في إقليم الفقيه بن صالح، حيث اعتُبر هذا القرار ضربًا لما تبقى من مصداقية الحزب ومبادئه الديمقراطية، وهو ما تُرجم سريعًا إلى استقالات جماعية، أبرزها استقالة فرع حد بوموسى التي شكلت رسالة قوية تعبر عن الرفض القاطع لهذا النهج.
وفي خضم هذه الأحداث، طفت على السطح أسئلة مقلقة تتردد على ألسنة العديد من مناضلي الحزب والمتابعين للشأن السياسي بالجهة:ما جدوى تنظيم مؤتمرات إذا كانت مخرجاتها تحسم مسبقًا في الكواليس؟
* هل تحول الاتحاد الاشتراكي من حزب نضالي إلى جهاز بيروقراطي يمارس الزعامات فيه سلطتها بعيدًا عن المؤسسات؟
هذه الأسئلة أعادت إحياء النقاش حول أزمة الوساطة الحزبية، وغياب الشفافية والديمقراطية الداخلية داخل العديد من الأحزاب المغربية، حتى تلك التي كان يُنظر إليها تاريخيًا كقلعة للدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ويبدو أن ما جرى في بني ملال ليس حالة معزولة أو خلافًا عابرًا، بل مؤشر على تصدع تنظيمي أعمق ينذر بمزيد من الانشقاقات والاحتجاجات إذا ما استمر تجاهل القواعد واعتماد منطق التعيينات الفوقية. كثيرون يرون أن الحزب الذي طالما انتقد ممارسات “الأحزاب الإدارية” أصبح اليوم يكرر نفس السيناريوهات التي كان يعارضها، معتمداً على منطق “الولاءات” بدل “الكفاءات”، و”الترضيات” بدل الاختيار الديمقراطي الحر.
وفي ظل هذه الأزمة، تتجه الأنظار إلى القيادة الوطنية للحزب: هل ستلتقط إشارات الغضب وتفتح تحقيقًا نزيهًا حول ما جرى؟ هل ستعيد الاعتبار للعمل الحزبي الديمقراطي القاعدي؟ أم أنها ستواصل سياسة التوافقات المغلقة التي قد تؤدي إلى تفكك التنظيم في الجهة وربما إلى مزيد من فقدان المصداقية على المستوى الوطني؟
ما وقع في بني ملال ليس مجرد أزمة تدبيرية، بل هو أزمة ثقة تهدد مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي نفسه، وتطرح على قياداته سؤالًا ملحًا: هل ما زال الحزب قادرًا على تمثل قيمه وشعاراته؟ أم أنه يسير بخطى حثيثة نحو فقدان بوصلة التغيير التي طالما تبناها؟