الألباب المغربية/ سعيد موزك
نظم ماستر سيكولوجيا الإعاقة بجامعة ابن طفيل، ندوة حول “النفاذية الرقمية للأشخاص في وضعية إعاقة”، بمبادرة من جمعية الحمامة البيضاء لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب.
ويأتي هذا اللقاء، المنظم بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل، بشراكة مع ممثلي وكالة التنمية الرقمية ADD(وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة) وممثلي جمعية الحمامة البيضاء لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب، والفريق البيداغوجي لماستر سيكولوجيا الإعاقة الذي تنسقه الدكتورة عتيقة بونو أستاذة علم النفس المعرفي بذات الجامعة، في إطار الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز الإدماج الرقمي وإمكانية الولوج إلى الخدمات للأشخاص في وضعية إعاقة.
كما تنظم الندوة في سياق يتميز بتنفيذ استراتيجيات وطنية وجهوية تهم الإدماج الرقمي، ولا سيما من خلال برنامج التنمية الجهوية 2022-2027 وإعداد المخطط الجهوي للإعاقة 2024-2026، بهدف تعزيز استقلالية الأشخاص في وضعية إعاقة من خلال إتاحة ولوجهم للمعلومات وللخدمات الرقمية.
في كلمته التي حملت نبرة التزام أكاديمي رصين،ثمن الدكتور العربي كركب، رئيس جامعة ابن طفيل، الجهود العلمية الرائدة التي يبذلها ماستر سيكولوجيا الإعاقة، مؤكدا أن هذه البرامج “ليست مجرد مساقات دراسية، بل رسالة إنسانية تلامس صميم المسؤولية المجتمعية للجامعة”، وكشف عن توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة التضامن والأسرة، واصفا إياها بالوثيقة التنفيذية التي تحول النظرية إلى فعل تنموي ملموس.
ومن جانبه، أشاد الدكتور محسن بطشي، نائب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية للشؤون البيداغوجية، بالمستوى العلمي المتميز لأعمال الماستر، مؤكدا دعم الكلية المستمر لمثل هذه المبادرات الأكاديمية التطبيقية.
بدوره عبر الدكتور جمال الكركوري، عميد الكلية، عن اعتزازه بالإنجازات العلمية للماستر، معتبرا إياه إضافة نوعية للعرض البيداغوجي بالجامعة، ودليلا على التميز الأكاديمي الذي تشهده جامعة ابن طفيل في السنوات الأخيرة.
ثم مداخلة الدكتور عبد المالك أصريح، عضو المكتب التنفيذي لجمعية “الحمامة البيضاء”، وأكد أن المغرب يشهد تحولا رقميا واسع النطاق، مع وجود العديد من المشاريع الهيكلية قيد التنفيذ، مشيرا إلى أنه في إطار هذا التحول، فإن احتياجات الأشخاص في وضعية إعاقة في ما يتعلق بإمكانية الولوج الرقمي يجب أيضا أن تؤخذ بعين الاعتبار.
وأضاف أن هذه الندوة، تهدف إلى لفت الانتباه إلى هذه التحديات ودمج الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل كامل في استراتيجيات التحول الرقمي، وضمان إمكانية ولوجهم الرقمي بشكل منصف، مشيرا إلى أنها تهدف أيضا إلى فتح النقاش واستكشاف سبل مواكبة الفاعلين المحليين، من أجل ضمان تحول رقمي منصف ودامج، مؤكدا أنها ضرورية لتحقيق العدالة الرقمية والإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي لهذه الفئة من المجتمع، مؤكدا أن الأشخاص في وضعية إعاقة خاصة، يشكلون مكونا أساسيا من مكونات المجتمع. حيث تجدر الإشارة إلى أن المغرب يضم أكثر من مليوني شخص في وضعية إعاقة، وأن أسرة واحدة من بين أربع أسر لديها على الأقل شخص واحد في وضعية إعاقة، حسب بيانات وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
وسارت أعمال الجلسة الأولى في مسار علمي دقيق، بدأته الدكتورة كوثر بكار أستاذة علم النفس العصبي المعرفي بإحكام منهجي لافت، حيث نسقت بين المداخلات الثلاث بتناغم معرفي أبرز تكاملية الأبعاد التقنية والاجتماعية والنفسية، افتتحت الجلسة بورقة مؤسساتية رسمية لممثل وكالة التنمية الرقمية، تلتها مداخلة نقدية من الباحث منير خير الله التي حفرت في البنى الاجتماعية العميقة، لتنتهي بالتشريح السيكولوجي الدقيق للدكتورة عتيقة بونو، حيث سلطت الضوء على الأبعاد النفسية والتربوية لهذا الملف الشائك، وأكدت في مداخلتها الموسومة “التربية الرقمية وقضايا الإعاقة، رهانات سيكولوجية” أن تحقيق تكافؤ الفرص في المجال الرقمي يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد، تبدأ من التشخيص الدقيق لقدرات المتعلمين عبر اختبارات متخصصة، مرورا بتحويل المضامين التعليمية من الشكل الورقي إلى الرقمي، وصولا إلى ضمان التفاعل الإيجابي مع الوسائط التكنولوجية، وفي تحليلها للواقع الرقمي، أشارت الدكتورة بونو إلى أن الأدوات التكنولوجية مثل اللوحات الرقمية التفاعلية – خاصة تلك المزودة بنظام الصور الرمزية (Pictogrammes) – أثبتت فعاليتها في تعزيز القدرات التواصلية والمعرفية لدى الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد، غير أنها حذرت من مخاطر الرقمنة غير المدروسة، مؤكدة أن الفضاء الرقمي قد يتحول من أداة تحرر إلى وسيلة إقصاء إذا لم يرافق تطويره برامج توعوية تحمي المستخدمين من التنمر الإلكتروني وتضمن سلامتهم النفسية.
ويبقى السؤال المحوري: كيف يمكن تحويل التكنولوجيا من مجرد وسيلة تقنية إلى أداة تمكين حقيقية؟ تجيب الدكتورة بأن ذلك يتطلب تصميم برامج رقمية تستجيب للخصوصيات النفسية والمعرفية، وتطوير آليات التصحيح الذاتي لتعزيز الاستقلالية، وإدماج البعد التربوي في كل الحلول التقنية، لبناء نظام حماية متكامل من المخاطر الرقمية، وتؤكد أن الإدماج الرقمي الناجح لا يقاس بمدى توفر التقنيات، بل بقدرتها على خلق بيئة داعمة تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة فرصاً حقيقية للتعبير عن ذواتهم والمشاركة الفاعلة في المجتمع الرقمي.
وأدارت الجلسة الثانية الطالبة الباحثة لبنى بقل، حيث قدم الفريق المتخصص عرضا شاملا للمنصة الرقمية “EnableMe Maroc”، التي تم تطويرها بالشراكة مع مؤسسة Drosos السويسرية، والتي تهدف إلى توفير مساحة للتبادل والمعلومات والدعم بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة، والمساهمة، بالتالي، في تقليل الحواجز الرقمية و تحسين إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، وذلك للالتزام المملكة، من خلال مبادرات وبرامج مختلفة، بمواكبة ودعم هذه الفئة من المجتمع، لا سيما من خلال ضمان إدماجها الاجتماعي والاقتصادي والرقمي.