الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
ارتباطنا بالقدس ثابت لا تغيّره الأحداث ولا الزمان. القدس – أور سالم، مدينة السلام لدى الكنعانيين منذ آلاف السنين – لها مكانة خاصة في القلوب، واسمها يوحي بالقدسية عند المؤمنين. المسجد الأقصى يأتي في المرتبة الثانية بعد مكة المكرمة من حيث القداسة، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ فقد صلى المسلمون إليه قبلةً أولى قبل أن تتحول القبلة إلى الكعبة، وفي ليلة الإسراء والمعراج صلى فيه خاتم الأنبياء إماماً بجميع الرسل والأنبياء. ولذلك لا يمكن للمسلم أن يتنكّر لهذه الحقيقة، ومن واجب كل مسلم أن يحمل قضية تحريره في وجدانه.
لكن القضية لا تقتصر على القدس وحدها، بل تشمل الأرض المباركة كلها، وهناك اختلاف حول امتداد مساحة ذلك المصطلح التاريخي. والأسوأ أن تُستغل قضايا مقدسة لأغراض سياسية قصيرة النظر تدفع بلدَنا نحو أخطاء استراتيجية لإرضاء أطراف داخلية أو خارجية. لا نقبل أن تُجرّ الدولة إلى سياسات تُشكل رضاً لفِرَقٍ سياسية أو جماعات تدّعي تمثيل الإسلام أكثر من غيرها.
لدينا مؤسسات وخبراء يديرون الملفات السياسية المعقّدة، ويعرفون خبايا الأمور. لا يمكن أن تُقاد بلادنا وفق أجندات خارجية تُروّج لها أحزاب أو حركات تتبنّاها قوى إقليمية، كما لا يمكن القبول بأن تصبح حماس المتماهية مع إيران وسيلة لتحقيق مصالح إقليمية تضرّ بالوطن. من الأمثلة المأسوية على تدخل إيران ما حلّ ببعض البلدان التي دخلتها: سوريا واليمن والعراق ولبنان، وخطر التمدّد قد يشمل شمال أفريقيا عبر تيارات موالية أو مستغلة.
وللتوضيح: موقفنا مبدئي ضد كل من يحاول جرّ بلدنا إلى صراعات لا تخدم المصلحة الوطنية؛ سواء عبر استغلال الدين لأجندات خارجية، أو عبر أجندات علمانية تسعى لتخريب الأسرة وتشويه الدين. أما من يقتنع بفكرٍ علماني قائم على الحوار والتعايش دون عداوة للدين أو للوطن، فذلك طرف آخر يمكن النقاش معه بلغة العقل والتفاهم.
أخيرًا، علينا أن نكون حذرين في تحليلاتنا؛ فالكثير يخوضون حرب التأويل والتحليل بلا علم ولا معطيات موثوقة. فلسطين وغيرها من بؤر التوتر تُستغل دائمًا لإعادة ترتيب مصالح الكبار، والدين يُوظف أحيانًا سراً أو جهراً في هذه اللعبة. لذلك نحتاج إلى ضبطٍ فكري وطني، ونقاش عقلاني مبني على حقائق لا على انفعالات أو مواقف مُوظفة سياسياً.