الألباب المغربية/ حبيب سعداوي
شركة أوزون بالفقيه بن صالح تحولت إلى نموذج صارخ للتناقض بين الاسم البراق والواقع الباهت، فالإسم يوحي بالنقاء والشفافية والخدمة الراقية، بينما الحقيقة تروي حكاية أخرى عنوانها الإهمال واللامبالاة وضعف الأداء، كمهاجر فقد شاهدت في عطلتي الصيفية الشوارع في كثير من الأحياء تغرق في الأزبال والنفايات، والساكنة تشتكي من تراكم الأوساخ والروائح الكريهة، مما يضر بالبيئة وبالصحة العامة على حد سواء، في حين أن الشركة كان من المفترض أن تكون حصنا ضد هذه المظاهر وأن تقدم خدمة في مستوى تطلعات المواطنين، لكن الواقع يظهر أن همها الأكبر هو الحفاظ على صورة زائفة عبر الدعاية، بينما العمال الذين يشكلون العمود الفقري لأي خدمة نظافة يعانون في صمت، يكابدون ظروفا صعبة وأجورا متأخرة ومستحقات لا تصرف في وقتها، مما يضعهم في مواجهة مباشرة مع قسوة الحياة اليومية دون سند أو حماية.
وقد جاء في مقال مطول على مواقع التواصل الاجتماعي لإحدى المناضلات “لفاطمة أبو سعد” بعنوان “أزمة عمال شركة أوزون بالفقيه بن صالح: بين واقع مرير وحل يفرض نفسه” أن الأزمة لم تعد مجرد وضعية عابرة، بل تحولت إلى معضلة مستمرة ترهق العمال وأسرهم، وتؤثر بشكل مباشر على صورة المدينة وجودة عيش ساكنتها، فالعمال يعيشون أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة، تتجلى في الأجور المتأخرة، ظروف العمل المزرية، غياب وسائل الحماية، وانعدام الاستقرار المهني، في وقت يؤكد فيه المجلس الجماعي أنه يؤدي مستحقاته المالية للشركة كاملة وفي آجالها القانونية، ما يسقط أي مبرر عن الشركة في عدم صرف أجور العمال، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام سؤال جوهري: ما الجدوى من استمرار صفقة تثبت يوما بعد آخر أنها عبء على المدينة وعلى شغيلة النظافة معا ؟
المقال ذاته أبرز أن القانون المغربي المنظم للصفقات والتدبير المفوض يتيح حلولا واضحة في حالة الإخلال بالالتزامات، من بينها إنهاء الصفقة عند ثبوت إخلال الشركة بواجباتها، خصوصا في ما يتعلق بالأجور وجودة الخدمة، أو تفعيل الجزاءات والغرامات المالية، مع ضمان استمرارية المرفق العمومي عبر حلول بديلة، سواء بالتسيير المباشر أو عبر فتح الباب لشركة أخرى مع إلزامها باستيعاب العمال الحاليين حفاظا على حقوقهم الاجتماعية.
وعليه، فإن التجربة مع أوزون بالفقيه بن صالح أثبتت أن كل محاولات الإصلاح والتذكير والوساطات لم تجد نفعا، وأن الشركة أخلت بالتزاماتها تجاه عمالها بشكل يضرب في الصميم فلسفة التدبير المفوض القائمة على الجودة وحماية الحقوق، لذلك فإن القطيعة القانونية والتعاقدية معها لم تعد خيارا ثانويا بل ضرورة لإنقاذ سمعة المرفق العمومي وصيانة كرامة العمال الذين يجب أن يستوعبوا في أي صيغة بديلة، لأن الاستمرار مع شركة لا تحترم التزاماتها هو تكريس للمعاناة وضرب لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وكرامة العامل واستقرار المرفق العام ليستا مجالا للمساومة أو التسويف..