الألباب المغربية/ نادية عسوي
تُنشر بين الفينة والأخرى أرقام صادمة عن العزوبة في المغرب، تفيد بأن أكثر من ثلاثة ملايين وستمائة ألف امرأة مغربية تجاوزن الثلاثين دون زواج.
كلما ظهرت هذه الأرقام، اشتعلت وسائل الإعلام، وانتشرت العناوين التي تتحدث عن “العنوسة” وكأنها وباء، تُلام عليه المرأة وحدها، بينما يغيب تمامًا الحديث عن الرجال الذين يعيشون الوضع نفسه.
لماذا لا نرى أرقامًا عن الشباب الذين تجاوزوا الثلاثين والأربعين دون زواج؟ أليسوا هم أيضًا ضحايا الواقع الاقتصادي والبطالة وغلاء السكن؟
الإحصائيات نفسها تُظهر أن أكثر من أربعين في المائة من المغاربة في سن الزواج لم يرتبطوا بعد، لكن الخطاب العام لا يرى في ذلك مشكلة إلا إذا كانت المعنية امرأة. يُقال عن الرجل الأعزب إنه “ما زال صغيرًا”، وعن المرأة غير المتزوجة إنها “فاتها القطار”.
هكذا نعيد إنتاج التمييز في أبسط مظاهره الاجتماعية، ونتناسى أن الزواج في زمن الغلاء لم يعد حلمًا بسيطًا بل مشروعًا اقتصاديًا معقدًا يتطلب إمكانيات لم تعد متاحة للجميع.
ثم هناك تبرير آخر لا يقل سطحية: القول إن الشاب حتى في الخمسين ما زال قادرًا على الإنجاب، وكأن الخصوبة هي كل شيء. من قال إن الأبوة مجرد قدرة بيولوجية ؟
صحيح أن الرجل يستطيع أن يُنجب متى شاء، لكن هل يملك في الخمسين نفس الطاقة على تربية طفل يحتاج إلى اللعب والمرافقة والحديث والسهر؟ هل يستطيع أن يواكب طفله في الرياضة والدراسة والفهم؟ إن الخصوبة تُنجب الجسد، لكن التربية تُنجب الإنسان، ومن الخطأ أن نحصر “فوات القطار” في جسد المرأة وحدها، لأن القطار يفوت الجميع حين يفقدون القدرة على العطاء لا على الإنجاب.
العزوبة ليست عيبًا ولا فشلًا، بل مرآة لواقع اقتصادي وثقافي متغير. وحين يتعلم المجتمع أن يرى في الزواج اختيارًا حرًا لا واجبًا اجتماعيًا، سيتوقف عن جلد النساء، وسيفهم أن الرجال أيضًا “بايرين” بمعنى آخر: بايرين بالظروف لا بالإرادة.