الألباب المغربية/ محمد لعريشي
أثار تصريح النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، جدلاً واسعاً حول قرار رئيس الحكومة عزيز أخنوش القاضي بترخيص اللجوء إلى الصفقات التفاوضية لتأهيل 91 مؤسسة استشفائية عبر التراب الوطني، وهو الإجراء الذي اعتبره البرلماني تحويلاً لآلية استثنائية إلى قاعدة عامة، بما يشكل، وفق تعبيره، مساساً بمبادئ الشفافية والمنافسة الحرة المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية.
إبراهيمي، في سؤال كتابي موجه إلى رئيس الحكومة، أوضح أن الرسالة الجوابية المؤرخة في 13 أكتوبر 2025 تضمنت توجيهات صريحة لكلٍّ من الوزير المنتدب المكلف بالميزانية والخازن العام للمملكة للمضي في هذا الإجراء، معبّراً عن استغرابه من “تعميم حالة الاستثناء” في تدبير المال العام، خاصة في قطاع حساس كقطاع الصحة الذي يُفترض أن يكون نموذجاً في النزاهة والشفافية.
وفي سياق تحليله لتداعيات القرار، اعتبر النائب البرلماني أن اللجوء المكثف إلى الصفقات التفاوضية لا يقتصر فقط على البنية التحتية، بل يمتد إلى مجالات أخرى داخل القطاع الصحي، من بينها رقمنة الملف الطبي الإلكتروني الذي ألغيت صفقته السابقة البالغة قيمتها 180 مليون درهم، وتم إيقاف شركتين من أصل ثلاث، لصالح شركة واحدة احتكرت عملية الرقمنة المعلوماتية للمنظومة الصحية، بحسب تعبيره.
كما أشار إلى احتكار بعض الشركات لصفقات النظافة بالمؤسسات الاستشفائية، متهماً جهات نافذة بتضارب المصالح واستعمال النفوذ الاقتصادي لصالح مقاولات محظوظة، على حساب شركات وطنية ظلت تشتغل داخل هذه المؤسسات لسنوات طويلة.
وتوسع إبراهيمي في نقده ليشمل قطاع الأدوية، مذكراً بأن إلغاء الرسوم الجمركية على الأدوية في قانون المالية لسنة 2025 تمّ بدعوى تشجيع الاستيراد، لكنه في الواقع – وفق قوله – يصب في مصلحة فئة محدودة من المستوردين المقربين من دوائر القرار، في حين يُضعف الصناعة الدوائية الوطنية، ويُفاقم عجز الميزان التجاري، فضلاً عن انعكاساته السلبية على التشغيل وارتفاع معدلات البطالة.
من منظور تحليلي، يطرح هذا الجدل سؤالاً محورياً حول حدود المشروعية في استعمال الصفقات التفاوضية، فبين من يعتبرها آلية ضرورية لتسريع تنفيذ مشاريع استعجالية، خصوصاً في قطاع حيوي كالصحة، ومن يرى فيها مدخلاً لتجاوز المراقبة المؤسساتية والالتفاف على المساطر القانونية، يبقى التوازن بين السرعة والشفافية هو التحدي الحقيقي أمام الحكومة.
ويرى مراقبون أن الحكومة مطالَبة بتبرير خيارها بوضوح أمام الرأي العام، عبر الكشف عن المعايير المعتمدة في انتقاء الشركات المستفيدة من هذه الصفقات، وتوضيح ما إذا كانت الرقابة المالية والمحاسباتية قد رافقت هذا الإجراء لضمان النزاهة ومنع تضارب المصالح.
ختاماً، يبدو أن ملف الصفقات التفاوضية في قطاع الصحة يعيد إلى الواجهة سؤال الثقة في الحكامة العمومية، ويكشف عن توتر دائم بين منطق الكفاءة الإدارية ومنطق الشفافية القانونية. فبين اتهامات المعارضة وتبريرات الحكومة، تبقى المصلحة العليا للمواطنين هي المعيار الأهم، إذ لا تنمية حقيقية دون شفافية في التدبير ومنافسة نزيهة تضمن حسن توظيف المال العام لصالح الخدمات الصحية التي ينتظرها المغاربة.