الألباب المغربية/ حسن المولوع
ظهر الشيخ إبراهيم بقلال يوم صلاة عيد الفطر كفارس فوق منبر الخطابة، وكأسد يزأر باعتدال، دفاعا عن الشريعة الإسلامية المحمية تحت ظل إمارة المؤمنين؛ على اعتبار أن ملك المغرب حفظه الله وطبقا للدستور هو حامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية في بلاد المغرب الذي دينه الرسمي الإسلام على منهاج سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومذهب الإمام مالك.
من سوس العالمة منطقة حفاظ القرآن ومنبت العلماء، صدح الشيخ المفوَّه الأديب إبراهيم بقلال من على منبر الخطابة بصوته الجهوري؛ الذي ألهب به مشاعر كل المصلين ممن حضروا صلاة العيد بمصلى حي بوعيطة بآيت ملول ، كانت خطبته جد معتدلة وخرجت عن المألوف السائد الذي أضحى هو القاعدة أما الاستثناء هو تفاعل الخطباء مع الأحداث الجارية ، وطرق منبرهم أبوابَ القضايا الاجتماعية التي تمس العصب الحساس لمختلف المُشكلات.
استحوذ الشيخ إبراهيم بقلال على قلوب المصلين بصوته المميز وأسلوبه البليغ، ناقدا كل ما يدور في المجتمع من منطلق شرعي، فتحوّل منبره إلى منصة إعلامية يستمع إليها الناس في كل مكان، ليحظى على إثر ذلك بجماهيرية كبيرة وشعبية جارفة ناتجة عن بلاغته وغيرته على شرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
طافت شهرة الشيخ إبراهيم بقلال الآفاق وغزا صوته مواقع التواصل الاجتماعي، و أضحت خطبة صلاة العيد التي ألقاها ، واسعة الانتشار، مرفوقة بعدة تعليقات إيجابية تستحسنها، تلك التعليقات ونسبة عدد المشاهدات أغلبها لمغاربة يفوق عددهم بكثير أعضاء البرلمان الذي يعمد البعض منهم إلى إحراج وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بسؤال داخل القبة من أجل أن يقوم بتكميم الأفواه في بلاد إمارة المؤمنين، دون أن يعلم هؤلاء أن الوعاظ والخطباء هم صمام الأمان الذي يزرع الأمن الروحي في الناس ، وهذا الأمن هو الذي يحفظ النظام العام الى جانب الأمن الوطني ، لكن يأبى ذلك بعض الاستئصاليين الذين لا يريدون أصواتا غير أصواتهم تغزوا فضاءات التواصل الاجتماعي ، ليفرضوها على شريحة كبيرة من المغاربة الذين يميلون لمثل هاته الخطب الحماسية دون التوجه الى قنوات فضائية للانبهار بخطباء من المشرق، فالأولوية بكل تأكيد لخطباء المغرب الذين يعتبرون قوة ناعمة ، فالمغرب هو منبت الأحرار وخزان العلماء، وبالتالي وجب إعطاؤهم مساحة أكبر من الحرية.
في خطبته الشهيرة التي تابعها الملايين سواء من الذين حضروها في عين المكان او على مواقع التواصل الاجتماعي، دافع الشيخ بقلال عن إمارة المؤمنين وعن الدولة العلوية التي ما سادت بلاد المغرب إلا بالإسلام و بشريعة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام مذكرا بأن القرآن الكريم هو منهاج حياة ونجاة من كل مصيبة صغيرة أو كبيرة.
واستغل الشيخ إبراهيم في الخطبة ذاتها، الفرصة للرد على من وصفهم بالشرذمة القليلة من العلمانيين ودعاة الحداثة الذين يظنون أنفسهم الكثرة في هذا البلد المسلم حيث قال أن بعض الأفكار الغريبة على المغاربة والتي استوردتها هؤلاء من الغرب، كلها انحلال لأخلاق المسلمين ودمار لأسرهم وتخريب لشبابهم، كالعلاقات الرضائية التي تعد زنا والدعوة إلى تغيير تقسيم الله للميراث، محذرا هذه الفئة التي اعتبرها هدامة ؛ من غضب الله في الدنيا والآخرة، وذكَّرهم بما توعد الله به من حاول التلاعب بشريعته بشدة العذاب يوم القيامة.
وفي هذا السياق قال إبراهيم بقلال في الخطبة ذاتها يوم الأربعاء بمناسبة عيد الفطر: “تسور المحراب في المملكة السعيدة شرذمة قليلون، أفاكون كذابون، فشلة إجتماعيا وأسريا، وأميون علميا، غرباء عن الشريعة، يطعمون من قنوات من خارج بلاد الإسلام، ثم يتجشأون في بلاد الإسلام بالكفر الصريح، يريدون أن يبدلوا كلام الله” مشيرا في السياق ذاته “إذا سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده، وهؤلاء سلموا في بلاد الإسلام ولم يكتفوا إذ لم ينلهم ضر، أن يخنسوا ويسكتوا ويختبئوا إلى جحورهم بل طمعوا في صيد الأسد”.
وتابع الشيخ المكنى بأبي حمزة خطبته قائلا “تطاولوا وتجاسروا وتحدثوا في إمارة المؤمنين بما يخالف مقتضى مضمون لقبه، فحاربوا دين المسلمين، وسفهوا علماء المسلمين، وتجرؤوا على شريعة المسلمين، ويتبرمون من هذا اللقب الذي ذكرناه، بأنه لا يعجبهم، وإنه ظل يستظل به المسلمون في بلاد حتى تبقى دولتهم إسلامية كما كانت، وبقيت، وستبقى، وليخسأ الظالمون المبطلون” مضيفا في السياق نفسه “يريدون تشتيت أسرنا، وإفساد أبنائنا، يحاورون بغير علم وبغير سلطان أتاهم، يتبعون كل شيطان مريد، فصرنا في بلاد عمّر فيها الإسلام نناقش الربا والزنا واللواط والإرث الذي أحكمه الله في كتابه بنصوص نصية واضحة وما يريد هؤلاء إلا الإفساد”.
وأوضح أبو حمزة في هذا السياق أن هؤلاء “يوهمون لتمكنهم من كثير من وسائل الإعلام، أن الخلاف بين طائفتين عظيمتين بين المسلمين، كلا، المسلمون السواد العظيم في هذه المملكة، وهم شرذمة قليلون، هواء وهباء، ليسوا شيئا لكن تتعالى أصواتهم، يوهمون الناس أن الخلاف قائم بين المغاربة”.
وفي سياق متصل ذكر الشيخ بقلال أن سبب تجرؤ الذين وصفهم بالشرذمة القليلة على الشعب المغربي المسلم هو بعدنا عن الدين، فلو أن المغاربة يتوجهون إلى المساجد ودروس العلم كما يتوجهون إلى المهرجانات والملاعب لما تجرأ أحد على أحكام الشريعة المجمع عليها، داعيا الرجال إلى تحمل المسؤولية في أسرهم والتشبث بدينهم وإظهار الدين في كل ناد ومحفل ، مذكِّرا بأن المسلمات هن أفضل النساء إن تمسكن بشريعة ربهن، وطاعة أزواجهن، والمحافظة على حجابهن وتربية أبنائهن تربية دينية.
وفي الخطبة ذاتها، عرج الشيخ باقلال إلى الحديث عن ما يرتبط بالمغرب والجزائر، حيث استنكر إيقاد نار الفتنة بين الشعبين داعيا إلى الأخوة وإطفاء هذه النار، قبل أن يتكلم عن مصيبة المسلمين الكبرى التي تحدث حاليا في غزة والإبادة الجماعية التي تلحق أهلها.
وضمن خطبته نصح الشيخ إبراهيم بقلال العلماء بعدم إشغال الناس بمعارك فقهية يسوغ فيها الخلاف خصوصا الذين يفعلون ذلك مرارا وتكرارا كما دعاهم إلى رد العدوان على الشريعة وتحمل مسؤولية التبليغ التي أوجبها الله على الأنبياء ومن ورثهم، مبرزا في السياق نفسه “إنما يكون الكتاب ناصرا والحديد ناصرا إذا كنا نحن متشبثين بنصرة الكتاب والسنة، وإلا فأحلام وأماني وبكاء نساء، فأم المعتمد حين بكى خارجا من ملكه قالت كلمة وهي إمرأة، لا تبك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال”.
وفي خطبته الحماسية هاته، ختمها الشيخ إبراهيم بقلال بالقول: “كونوا رجالا أيها المسلمون، كونوا أشداء بالتشبث بالقرآن والسنة، واتركوا التشرذم والتفرق، وضاعت أصفهان وغلب عليها الصفويين الرافضة حين تنازع الشافعية والحنفية في أمور فرعية يسع فيها الخلاف، تقاتلوا عليها، فدخل الروافض، فقلبوا الدين إيران إلى اليوم”.