الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
منذ سنوات طويلة وأنا أحاول أن أفهم تلك الكلمات التي كانت ترددها والدتي: “بلا معنى” و”بلا فايدة”.. كانت سيدة أمية تحفظ الشعر والأمثال الفصيحة.. لكنها بطريقة فطرية فصلت بين عالمين: عالم الأخلاق والكرم والصدق “المعقول” الذي أسمته “المعنى”.. وعالم الربح والعائد والنتيجة الذي أسمته “الفائدة” أو كما تنطقه هي “لفايدا”… لم تكن تضع حدودا لغوية بقدر ما كانت تكشف عن هندسة كاملة للحياة.. اليوم كلما تأملت المشهد السياسي في المغرب، أجد أن تلك الكلمات البسيطة تصف ما نعيشه بدقة أكبر مما يفعله أي تقرير أو دراسة.
السياسة عندنا كثيرا ما تبدأ بالمعنى: شعارات الوطن والإصلاح والكرامة.. لكن ما إن تدخل حيز التنفيذ حتى تتحول إلى مجرد فائدة يتقاسمها القلة.. وفي المقابل هناك من يسعى وراء الفائدة المادية والانتخابية، لكنه لا يفلح في أن يمنح المجتمع أي معنى. هنا تتجلى الأزمة: لسنا أمام فراغ من المعنى فقط، ولا أمام عجز عن تحقيق الفائدة فقط، بل أمام حياة سياسية عالقة في منطقة رمادية حيث لا المعنى يكتمل ولا الفائدة تعم.
أحيانا أشعر أن البحث عن المعنى نفسه قد يكون فخا.. وكأننا نُمنح وهما جديدا نتداوله مثل العملة، بينما الفائدة تُدار في الخلفية. لكن في الوقت نفسه، الاكتفاء بالفائدة وحدها لا يضمن الخلاص.. لقد علمتني تجربة والدتي أن “بلا معنى” يفضح العجز الأخلاقي، و”بلا فايدا” يفضح العجز المادي، وأن حياتنا تفقد اتزانها حين نقبل بأيٍّ منهما وكأنه كاف بذاته..
النجاة بالنسبة لي ليست في مطاردة المعنى المجرد..ولا في مراكمة الفائدة العارية.. بل في السعي إلى نقطة التقاء بينهما.. أن تكون للفعل قيمة أخلاقية وأن يحقق عائداً ملموسا في آن. أن يكون الإصلاح صادقاً ونافعاً، لا مجرد لافتة وأن تكون الفائدة عادلة وشاملة، لا حكرا على نخبة صغيرة. عندها فقط يمكن أن أقول إننا خرجنا من دائرة اللامعنى، وأن الكلمات التي كانت ترددها والدتي لم تبق مجرد ذكريات منزلية، بل تحولت إلى درس سياسي كامل عن كيفية العيش بكرامة ومعنى وفائدة معا..
لا أعرف ما ستفرز عنه الصناديق في الاستحقاقات القادمة، لكني متأكدة “ما كاينة معنى” و”بلا فايدا” لميهة ألا من لكليتة وما فالخير أخير ولا فالشطاح بركة..