الألباب المغربية/ د. الحسين بكار السباعي
أصبح الحديث عن الشباب المغربي رهان إستراتيجي يرتبط بمصير الدولة وقدرتها على تجديد نخبها وضمان استمرارية مشروعها التنموي والديمقراطي وليس مجرد شعار انتخابي موسمي. فالمغرب يقف اليوم على عتبة تحول سياسي وإجتماعي عميق، يفرض إعادة النظر في موقع الشباب داخل النسق العام للدولة والمجتمع، ويستدعي الإنتقال من مرحلة الإنتظار والملاحظة إلى مرحلة المبادرة والمشاركة السياسية الفعلية . ذلك أن السياسة لم تعد مجالا للمناورة أو الوجاهة، بل مسؤولية أخلاقية وتاريخية في بناء المستقبل المشترك، وإحياء جوهر الفعل السياسي باعتباره خدمة للصالح العام وتجسيدا للمواطنة الفاعلة.
فرغم أن الشباب يشكلون ما يزيد عن 65 % من البنية الديموغرافية للمغرب، فإن حضورهم داخل الحقل السياسي يظل ضعيفا وغير مؤثر. فالعزوف عن التصويت والإنخراط الحزبي بات ظاهرة مقلقة تكشف أزمة ثقة في جدوى المؤسسات الوسيطة وفي قدرتها على تمثيل تطلعات الجيل الجديد. لقد فشلت العديد من الأحزاب في تجديد خطابها السياسي وفي إستيعاب منطق “الجيل الرقمي”، الذي يبحث عن مساحات أكثر حرية للتعبير والمبادرة خارج الأطر التقليدية. كما أن غياب آليات فعلية للتكوين السياسي وتعثر تفعيل الفصل 170 من الدستور القاضي بإحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، يعمقان الفجوة بين النص الدستوري والممارسة الواقعية، ويجعلان من الشباب كتلة ديموغرافية مهمشة سياسيا رغم إمكاناتها المعرفية والابتكارية الهائلة. إن هذه المفارقة تكشف عن خلل بنيوي في تمثيلية الشباب داخل مؤسسات صناعة القرار الوطني ، وعن حاجة ملحة إلى مراجعة الإطار القانوني المنظم للمشاركة السياسية بما يضمن انتقالا من مجرد الحضور الرمزي إلى التمكين المؤسساتي الفعلي.
ليبقى التحدي المطروح اليوم ليس فقط إدماج الشباب في المؤسسات المنتخبة، بل تأهيلهم ليكونوا شركاء حقيقيين في صناعة القرار ، ضمن رؤية متكاملة للتنمية السياسية. فتمكين الشباب لا يتحقق بالحصص أو الكوطا، بل ببناء مسارات شفافة لتأهيل القيادات الشابة، وبتحفيز الأحزاب على تجديد نخبها وإفساح المجال أمام الطاقات الجديدة. و المغرب وهو ينفذ إصلاحات كبرى في مجالات الحماية الاجتماعية والتعليم والاستثمار، في حاجة إلى جيل يؤمن بأن السياسة ليست امتياز بل إلتزام ومسؤولية، وإلى نخبة شبابية قادرة على الربط بين الحس الوطني وروح المبادرة، مستلهمة التوجيهات الملكية الداعية إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتخليق الحياة العامة. وبهذا المعنى، فإن اللحظة الراهنة تمثل اختبار لوعي الشباب وإنتمائهم وفرصة لبناء مغرب جديد يقوده جيل يملك الجرأة على الفعل، ولا يكتفي بمراقبة المشهد الوطني والدولي من بعيد.
ختاما، إن مغرب الغد لن يبنى بشعارات الحماس العابرة والظرفية، بل بعقول شابة تمتلك الرؤية والإرادة للمساهمة في التحول الديمقراطي. فالمسؤولية التاريخية اليوم تقتضي من الشباب أن يتحولوا من موقع المتفرج أو الناقد المحتج بل إلى موقع الفاعل المسؤول، وأن يدركوا أن المشاركة السياسية ليست خيارا ظرفيا بل واجبا وطنيا شريفا. إنها لحظة إستعادة المعنى النبيل للسياسة، وبداية مسار نحو جيل المبادرة الذي يصوغ مستقبلا أكثر عدلا وكرامة وحرية، تحت راية وطن يؤمن بأن الاستثمار الحقيقي هو في إنسانه وشبابه.