الألباب المغربية
في زمن يتسارع فيه الحديث عن الفساد والمخدرات، جاء برلماني من حزب الأصالة والمعاصرة ليقدم لنا عرضاً فنياً بديعاً، لكن ليس في قاعة مسرح، بل في قبة البرلمان. لقد أطلق هذا البرلماني قنبلة من العيار الثقيل عندما ادعى وجود “دقيق مخلوط بالأوراق”، وكأننا في فصل من فصول رواية بوليسية، حيث لا نعرف من هو البطل ومن هو الشرير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا الآن، في وقت تتصاعد فيه حمى الانتخابات؟ هل تبحث هذه الشخصية السياسية عن شهرة أو ربما تسعى لتشتيت الأنظار عن قضايا أخرى أكثر أهمية؟
لو كان صحافي محلي هو من نشر هذا الخبر، لما تمت مساءلته فحسب، بل لكانت عواقب وخيمة قد لحقت به. لكن بما أن الحديث جاء من برلماني، يبدو أن الأمور تسير بطريقة مختلفة، وكأن القوانين وضعها الرجال بأحجامهم المختلفة، حيث يتمتع البعض بحصانة خاصة. ولعل ما يعزز هذا الاستنتاج هو أن البرلماني المذكور لديه “خالات في هذا العرس” – بمعنى أنه جزء من شبكة معقدة من العلاقات التي تحميه من أي مساءلة.
ومما يثير الاستغراب هو غياب ردود الفعل الرسمية. في وقت يتساءل فيه المواطنون عن سلامة المواد الغذائية التي يتناولونها، نجد السلطات الرسمية تلتزم الصمت، وكأن الأمر لا يعنيها. كيف يمكن للمواطنين أن يثقوا في سلامة الغذاء الذي يستهلكونه، في حين أن الجهات المسؤولة لم تصدر أي بيان يطمئنهم؟ أم أن “الأوراق” هي جزء من وصفة سرية لمؤامرة أكبر؟
لكن، لنعد إلى البرلماني الذي يبدو أنه يعيش في عالم موازٍ، حيث يعتقد أن بإمكانه إلقاء الاتهامات دون أي تبعات. في حديثه، استخدم كلمات تحمل في طياتها استهزاءً بالعقول، متحدثاً عن “طحن” كما لو كانت كلمة سحرية تعني شيئاً مختلفاً تماماً عن واقعنا. “أنتم لا تفهمون لغة الضاد مثلما أفهمها”، يقول وكأنه يملك مفاتيح المعرفة. وكأننا جميعاً مجرد تلاميذ في فصل دراسي، وعلينا أن نستمع ونسجل دون أن نجرؤ على طرح الأسئلة.
الواقع أن ما يحدث هو استهتار بعقول المواطنين، الذين يستحقون الشفافية والاحترام. إن مثل هذه التصريحات تعكس عدم احترام للجمهور، وكأنهم مجرد مشاهدين في مسرحية هزلية لم يطلبوا تذاكرها. وفي ظل غياب العدالة الحقيقية، تصبح الأمور أكثر تعقيداً، حيث يتعين على المواطنين أن يتحلوا بالصمت، حتى أن مجرد “الشك” أصبح يُعتبر جريمة.
في ختام المطاف، يجب أن نتساءل: إلى متى ستظل هذه المهزلة قائمة؟ هل سيبقى البرلمان مسرحاً للعبث، حيث تُلقى الاتهامات دون أي أساس، وتُستغل الأزمات السياسية لتلميع صور فاسدة؟ إن قضية “الدقيق المخلوط بالأوراق” ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي دعوة للمواطنين للتمسك بحقهم في المعرفة والمحاسبة. فهل سنبقى صامتين، أم أننا سنرفع أصواتنا لنقول كفى؟
 
			 
			 
                                 
                              
		