رضوان منفلوطي
تعد المجالس الجماعية عنصرا فاعلا في إعداد المجال وتدبيره وتنظيميه، نتيجة الصلاحيات الموكولة والموارد المرصودة والاختصاصات المتزايدة باستمرار، والتي تمنح لمدبري الشأن العام المحلي هامشا أكبر لتدبير المجال بشكل فعال، إلا أن هذه المجالس تعاني من مشاكل مرتبطة بمحدودية الموارد المالية وسوء تدبيرها، وبضعف تكوين الموارد البشرية، الأمر الذي يحول دون قيام معظم هذه المجالس بممارسة اختصاصاتها..
سنحاول من خلال هذا الملف الصحفي التوقف عند إشكالية محورية مرتبطة بمدى تحقيق المجالس الجماعية لرهان تدبير المجال وتنظيمه وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة من خلال نموذج المجالس الجماعية للمدن الصغرى كمدينة الدروة المنتمية ترابيا لإقليم برشيد.
تنتمي مدينة الدروة إداريا إلى إقليم برشيد “جهة الدار البيضاء – سطات”، مجموع عدد سكانها كان يبلغ 47.066 نسمة (حسب إحصاء السكان الرسمي2011)، تواجه المدينة التي تعرف تطورا ديمغرافيا مهما، معاناة ومشاكل بالجملة تتجلى في عدة مجالات حيوية أساسها ضعف البنية التحتية؛ الطرقات، خصاص كبير في مؤسسات التعليم العمومية ومعاهد التكوين المهني، نقص حاد في مراكز الصحة (عدم توفر المدينة على مستشفى بل حتى على مركز للمستعجلات الدائم)، علاوة على مشكل مطرح النفايات و…
يعود إحداث قرية الدروة إلى حوالي سنة 1953 حيث تم بناؤها لإيواء مستخدمي القاعدة العسكرية الأمريكية بحكم قربها من مطار محمد الخامس ومركز النواصر سيتي إبان فترة الحماية الفرنسية بالمغرب، حيث كان عدد المنازل بها آنذاك 260 منزلا وفي هذه الفترة كانت مدينة الدروة تسمى بالقاهرة..
أصل التسمية: سميت الدروة بهذا الاسم نسبة إلى شجر الدرو، الذي كان منتشرا في المنطقة ولازالت توجد بعض الشجيرات الدرو في مقبرة القديمة بالدروة.
إداريا: كانت مدينة الدروة تابعة إداريا لمدينة الدار البيضاء (الشاوية الشمالية) أيام التقسيم الترابي القديم، بعد ذلك إلى مدينة ابن سليمان ثم إلى مدينة مديونة، وبعد تحول الإدارة إلى مدينة الدروة بإنشاء قيادة سنة 1973 إلى يومنا، هذا وعرفت أول انتخابات جماعية سنة 1976 وبقيت جماعة قروية إلى غاية سنة 2009 حيث أصبحت بلدية تابعة إلى عمالة برشيد المنشأة حديثا.
موقع المدينة الاستراتيجي: تقع مدينة الدروة بمحاذاة الطريق الوطنية رقم 9، وتتميز بموقعها الإستراتيجي جد هام، وقربها من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء على مسافة 25 كلم، ومن مدينة برشيد على بعد 10 كلم، ومن مطار محمد الخامس الدولي على بعد 4 كلم، إضافة إلى مجاورة المدينة لأهم وأكبر المناطق الصناعية سواء المحاذية للمطار، أو المنطقة الصناعية “صابينو” النواصر، أو المناطق الصناعية لبوسكورة أولاد صالح..
حيث يسهر على تسيير المدينة حاليا، مجلس جماعي يتكوّن من 30 مستشارا، منهم 5 مستشارات في إطار التمثيلية النسوية. إلا أن التوسع العمراني لمدينة الدروة جعلها بحاجة ماسة إلى خلق مرافق عمومية تستجيب لحاجيات ومطالب الساكنة على سبيل المثال لا الحصر: مستشفى للقرب، ومركز للوقاية المدنية، ومفوضية للشرطة، ونقل مطرح النفايات خارج المدينة، وإحداث النقل الحضري، وغيرها من المرافق، فضلا عن محاربة العربات المجرورة وظاهرة الكلاب الضالة المنتشرة، وإيجاد حلول للباعة الجائلين المنتشرين فوق الملك العمومي وفي كل مكان…
هي إكراهات كثيرة وصعوبات عميقة متداخلة في عدم تحقيق تنمية مستدامة للمدينة نتيجة نتائج متداخلة ومعقدة؛
1– إشكال التدبير المحلي ومعوقاته بالمدينة: يتطلب التوسع العمراني السريع والتزايد السكاني الذي تعرفه المدينة، القيام بتجهيزات أساسية ضرورية لتغطية حاجيات السكان المتزايدة ولاستقبال الأنشطة الجديدة، خصوصا وموقعها الاستراتيجي المتميز.
2– قلة وسوء توزيع التجهيزات الجماعية: تتفاوت أهمية التجهيزات الجماعية من حيث الاستجابة لحاجيات السكان من جهة وضمان مدخول لميزانية الجماعة من جهة أخرى، وتعتبر التجهيزات في هذا الإطار ضرورية، لأنها تخلق فرصا للشغل. وفي نفس الوقت فإنها تؤمن مدخولا هاما وقارا بالنسبة للمالية المحلية، ونظرا لموقع الجماعة والمدينة الإقليمي، والموقع داخل جهة تعرف بندرة الاستثمارات من جهة أخرى، فإن مجلس الجماعي للدروة عبر فتراته على وجه الخصوص لم يقم بخلق أي نطاق صناعي بالرغم من التنصيص عليها في تصاميم التهيئة، نظرا إلى الفائض المالي سواء الظاهر أو عن غير المحصل من ممتلكات الجماعة عن طريق الكراء، وكذلك بفضل التحولات المجالية القانونية القوية والتي تجلب للجماعة مداخيل مالية مهمة ومن جهة أخرى إلى نمط التدبير الذي اتبعه المجالس المتتالية في تسيير الجماعة مند فترات والذي يرمي إلى تدارك النقص في التجهيزات التي كانت تعاني منها الجماعة، وفي نفس الوقت إلى خلق التجهيزات الجماعية المواكبة للامتداد المجالي السريع الذي تعرفه، لكن بالرغم من هذا ما زالت عمليات التهيئة متعثرة وبالخصوص في بعض الأحياء، بالإضافة إلى مشاكل أخرى مرتبطة أساسا بضعف الإنارة، المشكل مطرح النفايات، مركز الصحة المقبرة، نقص حاد في فضاءات الترفيه والمناطق الخضراء، مشكل النقل الحضري…
الخدمات الأساسية: معضلة المطرح العمومي
ترتبط الخدمات الأساسية برفع النفايات ارتباطا شديدا، يصل حجم النفايات المرفوعة بالجماعة الترابية الدروة إلى 1 كلغ للفرد الواحد في اليوم مما يعطي حجما يتراوح ما بين 60 و80 طنا في اليوم الواحد تقريبا، إلا أنه يلاحظ عدم كفاية وسائل جمع النفايات وأن الشاحنات لا تستطيع المرور في مجموع الأزقة مما يجعلها عرض لتراكم النفايات في بعض الأحياء حسب ما عاينته جريدة الألباب المغربية، زيادة على عدم انتظام مرورها في بعض التجزئات السكنية، ويضاف إلى ذلك انتشار بعض النقط السوداء التي تتراكم بها النفايات، ورغم المجهود الذي تقوم به الجماعة عبر قسم النظافة وأعوان الخدمة، فإن مشكل النفايات يتراكم من جديد، الشيء الذي يطرح العديد من الاستفهامات عن دور المجلس البلدي في البحث عن فكرة تفويض قطاع النظافة إلى شركات متخصصة في تدبير هذا القطاع..
فعلى امتداد أربع هكتارات تقريبا، وبمحيط العديد من التجمعات السكنية ومجموعة من الدواوير الآهلة بالسكان، يوجد المطرح العمومي لتجميع النفايات بالدروة الذي يستقبل كل يوم ما يقارب 80 طنا من النفايات تقريبا، وتموقعه في منطقة سكنية آهلة بالسكان، وجراء عملية حرق النفايات اليومية حيث تنبعث رائحة الأدخنة والغازات السامة مما أصبح يشكل هذا المطرح نقطة سوداء على صحة الساكنة ومنبع لأمراض تنفسية قاهرة وبيئة سامة أضحت تشكل مخاوف متعددة دفعت بالساكنة المجاورة للمطرح لا تتوقف عن رفع ضررها لإدارة المجلس الجماعي في كل حين، وفي أكثر من مناسبة، عبر الشكايات، وتنظيم وقفات للتحسيس بخطورة الوضع، متوجهين إلى المتدخلين المحليين والإقليميين من أجل إيجاد حل يضع حدا لمعاناتهم، جراء تواجد هذا المطرح الذي بات مصدرا للعديد من المشاكل الصحية والبيئية بالمنطقة غير أن مواجهة الإكراهات الصحية والبيئية التي يمثلها مطرح الدروة لجمع النفايات، والذي يعود تواجده إلى أزيد من 50 سنة مضت، حين كانت الجماعة عبارة عن أحياء سكنية قديمة وقليلة من مخلفات فترة الاستعمار، لكن بفعل التوسع العمراني الكثيف الذي عرفته الجماعة في السنوات الأخيرة، أصبح هذا المطرح قريبا من التجمعات السكنية، ما جعل الجماعة عاجزة عن تدبير هذا المطرح، لما يتطلبه الأمر من إمكانيات مادية هائلة، ليس باستطاعتها حاليا توفيرها إلا من خلال عقد شراكات مع جهات حكومية مختصة، أو إقليمية جهوية، حيث منذ مدة يراود داخل مكاتب عمالة برشيد من أجل إيجاد قطعة أرضية تكون مطرحا إقليميا للنفايات لجل جماعات الإقليم كبديل لهذا المشكل البيئي..
وقد أكدت العديد من جمعيات المجتمع المدني الناشطة بهذه الجماعة الذين التقى بهم طاقم جريدة الألباب المغربية أن المطرح، الذي أصبح قبلة لمختلف أنواع الحيوانات، له أضرار سلبية على عدة مستويات، إذ إلى جانب تأثيره على التربة والهواء والصحة العامة للساكنة، فهو يساهم بلا شك في تشويه جمالية المدينة، فعصارة النفايات السامة والخطيرة بالمطرح وتسرب هذه المواد السامة الثقيلة إلى جوف الأرض، قد يتسبب في تلويت المياه الجوفية. وناشدت هذه الجمعيات المسؤولين الالتفات إلى هذا المشكل متعدد الجوانب، عبر الدفع في اتجاه بلورة حلول مستعجلة وواقعية، من شأنها وضع حد لمعاناتهم، وإيجاد مطرح بعيد عن التجمعات السكنية، لتفريغ النفايات، في إطار يحترم المعايير المعمول بها، والتي تأخذ بعين الاعتبار حفظ صحة وسلامة المواطنين وحماية البيئة، مع إخضاع هذه النفايات لعملية إعادة التدوير..
الإنارة العمومية بالمدينة: أما الإنارة، فإنها لا تشمل مجموع تراب هذه الجماعة ولاسيما بالأحياء الخلفية البعيدة وكذلك ما بين التجزئات السكنية، إذ يسود الظلام فتصبح مكانا ملائما للإجرام (تجزئة بيتي مثالا)، هذا زيادة على ضعف التيار الكهربائي في بعض الأحياء، مما يستدعي التدخل من طرف المكتب الوطني للكهرباء لتقوية التيار الكهربائي، إضافة لانقطاع التيار الكهربائي باستمرار ولساعات عن كل المدينة، فيطرح ذلك عدة تساؤلات وتأويلات من طرف الساكنة..
المنظومة الصحية بالمدينة وواقعها: تعاني الوضعية الصحية بمدينة الدروة والدواوير المجاورة لها تدهورا من حيث النقص في التجهيزات والموارد البشرية إذ لا تختلف عن باقي مستوصفات ومستشفيات الإقليم في تسييرها عن السلوك العام.
وتزداد معاناة المواطنون بالليل نتيجة عدم وجود حراسة ليلية بمستوصف المدينة الذي يقفل أبوابه بعد الظهيرة، وهو الأمر الذي يجعل ساكنة يتوجهون خارج المدينة سواء في اتجاه مدينة برشيد بحثا عن أمل صحي مقيض بين مطرقة المستشفى الإقليمي الوحيد لتلقي العلاجات أو إجراء الفحوصات الطبية بالمستشفى الإقليمي الرازي، حيث كثيرا ما يعود أدراجهم خائبين بفعل للامبالاة لوضعيتهم الصحية !.. وبين المصحات الخاصة سواء ببرشيد أو الدار البيضاء.. هذا إن توفرت لديهم الإمكانيات المادية!..
إنه من المحير أن تجد مستوصفا يشتغل لساعات قليلة بأطر نستحيي ذكر عددها لعدد من السكان المقدرين ب60000 نسمة.. أوضاع كارثية يعيش عليها قطاع الصحة بالدروة بسبب مشاكل ذات أوضاع شاذة ترتبت عن سوء التسيير والتدبير، وتنتظر حلولا عاجلة لهذا المستوصف والتي من بينها؛ معاناة الساكنة بالمدينة خاصة من حيث النقص الحاصل والمهول في الموارد البشرية والتجهيزات وطرق التدبير للمرافق الصحية التي تصل إلى حد إهانة كرامة المواطنين، وإن كان لزاما الاعتراف والإشادة بالمجهودات والتفاني الذي تبديه مجموعة من الكفاءات الصحية لخدمة المرضى رغم ضعف التجهيزات والإمكانيات، فإن المواطن العادي بالمنطقة عموما وبمدينة الدروة على وجه الخصوص يسجل استمرار جملة من المشاكل التي ما فتئت تنادي بها الأصوات الاجتماعية أو المجتمعية، حول الوضع الصحي الكارثي بالمدينة وتوفره على مستوصف تنعدم فيه أبسط التجهيزات الضرورية، إذ يعاني من ضعف التجهيزات الطبية وقلة الموارد البشرية وهذا ما يزيد من معاناة سكان المنطقة بمرور السنين ولم يتغير شيء يذكر، حيث يوجد ممرض لحوالي 20.930 نسمة (في وقت تدعي فيه الوزارة الوصية تخصيص ممرض واحد مقابل 1099 كمعدل وطني).
مرارة العذاب يذوقها المواطنون بالمدينة كل يوم، فمن المحير فعلا أن نجد مستوصفا مخصصا لعدد كبير من السكان لا يؤدي الغرض المطلوب؟ يقفل المتحدثون من سكان القرية جملة من المواقف والتساؤلات؟ إذ أن واقع حال هذا المرفق الاجتماعي الصحي يدق ناقوس الخطر بالنظر إلى ضعف التجهيزات الطبية وقلة الموارد البشرية وهذا ما يزيد من معاناة سكان المنطقة بمرور السنين ولم يتغير شيء يذكر، سوى الوعود المسطرة نحو المجهول.. والظلم القاسي في حقهم حيث يذوقون مرارة العذاب نتيجة تنقلهم إلى المدن المجاورة من اجل التطبيب. .
التدبير الاجتماعي والثقافي بالمدينة
تعتبر التجهيزات الاجتماعية والثقافية ضرورية أيضا لارتباطها بالعنصر البشري الذي يمثل وسيلة وهدف كل تدبير، إن معاينة هذه التجهيزات يبين، قلتها مما يعرضها للضغط السكاني وسوء توزيعها حيث تنتشر في بعض الأحياء دون غيرها مما يقلل من دورها وإشعاعها.
إذا كانت الثقافة استثمارا فكريا لا تظهر آثاره إلا بعد فترة طويلة، فإن أهميتها لا تقل عن باقي الجوانب التنموية الأخرى، وقد عبر معظم المثقفين بالمدينة الذين التقيناهم، على ضرورة توفير تجهيزات ثقافية إلا أن واقع الحال يؤكد الغياب الكلي لهذا القطاع مثل مكتبات للطلبة، قاعة للمسرح والعروض الثقافية، قلة دور الشباب…
معوقات التدبير المحلي بالمدينة
تعاني الجماعة الترابية للدروة من إكراهات متعددة ومتداخلة منها ما هو مؤسساتي نتيجة سوء التنظيم وتبذير الإمكانيات وطاقات الجماعة عوض استثمارها في مجالات وقطاعات منتجة تعود بالنفع على الساكنة، ومنها كذلك ما هو متعلق بالموارد البشرية ذات الكفاءة المحدودة سواء تعلق الأمر ببعض المنتخبين أو الموظفين المحليين الذين بقوا قيد الإطار الكلاسيكي القديم في منهية تسيير الجماعة..
هي بعض من المشاكل والإكراهات التي تراكمت على المدينة مند عهود حتى أغرقتها في فوضى عارمة أدت إلى تعطل مركب التنمية نحو حكامة جيدة تلبي مساعي ودور مجلس الجماعي في التدبير المستدام..
مدينة تمتلك كل المؤهلات نحو التنمية الجهوية والوطنية لتسير في ركاب المدن النموذجية بكل المعايير، إلا أن الحال لا يبشر بذلك، وهو الأمر الذي عجل بالساكنة في طرح العديد من نقط الاستفهام عن ما آلت له المدينة التي تعيش في حصار تنموي مضروب على جميع المجالات سواء منها البنية التحتية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، التربوية، الرياضية…