الألباب المغربية/ ذ. الحسين بكار السباعي*
تتجه أنظار المغاربة غدا إلى قبة البرلمان وخطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، في ظرفية وطنية شديدة الحساسية تتقاطع فيها مؤشرات غضب الشارع مع اهتزاز الثقة في الحكومة والأحزاب السياسية. فجيل الشباب الذي اصطلح على تسميته بجيل Z، خرج إلى الشارع محملا بإحساس مرير باللاعدالة الاجتماعية وتراجع تكافؤ الفرص، وبمطالب مشروعة من صحة وتعليم وشغل ،لتتحول بعض الإحتجاجات إلى مظاهر إنفلات أمني أعادت إلى الواجهة سؤال الثقة في الدولة وفي جدوى السياسات العمومية. ويغدو خطاب الغد لحظة مفصلية لا في إفتتاح دورة تشريعية جديدة فقط، بل في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على ضوء التحولات الإجتماعية العميقة التي يشهدها المغرب.
فمن المرتقب أن يلتقط الخطاب الملكي نبض الشارع بدقة إستثنائية، وأن يوجه رسائل صارمة إلى الطبقة السياسية التي إستنفدت رصيدها الشعبي بفعل غياب الكفاءة وضعف التواصل وتراكم الأخطاء في التدبير. فالمشهد السياسي يعيش اليوم أزمة تمثيلية غير مسبوقة، والمجتمع يطالب بوجوه جديدة ورؤية إصلاحية حقيقية تعيد الأمل إلى شباب فقد الثقة في المؤسسات. ومن المرجح أن يحمل جلالة الملك المسؤولية المباشرة للحكومة والأحزاب ، وأن يدعو جلالته إلى مراجعة جذرية في أساليب التسيير وإلى مصالحة سياسية وأخلاقية بين الدولة ومواطنيها. كما قد يحمل الخطاب الملكي دعوة إلى عقد إجتماعي جديد يترجم الإرادة الملكية في بناء مغرب العدالة والكرامة، عبر إصلاحات عميقة في مجالات التعليم والتشغيل والصحة والحكامة الترابية.
وفي أفق هذا التحول المرتقب، قد يحمل الخطاب الملكي ملامح توجيه إستراتيجي يفتح الباب أمام تعديل حكومي يضخ دماء جديدة في جسد السلطة التنفيذية، أو يوجه إنذارا واضحا بأن زمن التبرير قد انتهى وأن عهد المحاسبة والمساءلة بدأ. فالمغرب وهو يقف اليوم على تخوم مرحلة دقيقة، في حاجة إلى يقظة وطنية جامعة توازن بين الحفاظ على الإستقرار وضمان الحق في التعبير، وبين صرامة الدولة ورحابة الإصلاح، وبين حماية الأمن وإرساء العدالة الإجتماعية.
ختاما، يقف المغرب غدا الجمعة على أعتاب لحظة مفصلية، يتجدد فيها الأمل بفضل خطاب ملكي مرتقب أمام البرلمان، من شأنه أن يؤسس لمرحلة تصحيحية عميقة تعيد بناء جسور الثقة بين الدولة ومواطنيها، وتفتح أفقا جديدا لإصلاح وطني صادق يعيد الإعتبار للعدالة والكرامة. إنها لحظة لإستنهاض الطاقات الشابة والكفاءات الوطنية للمشاركة الفعلية في بناء المستقبل، ولتحمل مسؤولياتها في البناء الديمقراطي وترسيخ ثقافة الخدمة العمومية القائمة على الكفاءة والنزاهة. فالثابت أن الملك، كما عهدناه في المنعطفات التاريخية، سيجعل من خطاب الغد محطة لإحياء الثقة في المؤسسات، وإستدعاء الضمائر الحية لتلبية المطالب الحقوقية والإجتماعية العادلة، في مسار وطني متجدد يرسم ملامح مغرب الإنصاف والتنمية المستدامة.
*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان