الألباب المغربية/ نادية عسوي
لقد عُرفت مدينة الجديدة منذ زمنٍ بعيد بوفرة ثمرة اليقطين حتى لُقّبت بعاصمة الكرعة، وكل من يزور دكالة أو يمرّ بالجديدة لا بد أن يسمع عنها أو يتذوقها، فهي الثمرة التي لا تكاد تخلو منها الموائد المغربية، خاصة يوم الجمعة، حيث تتوّج طبق الكسكس بلونها الذهبي الدافئ، شاهدةً على علاقةٍ قديمةٍ بين الإنسان والأرض، بين العمل والبركة.
وهذه السنة، وللمرة الأولى، يُتوَّج هذا التميز بمبادرة جميلة تستحق التنويه: مهرجان اليقطين بدكالة، الذي تنظمه مؤسسة مزغان للثقافة والإعلام، في الفترة من 21 إلى 23 نونبر 2025، تحت شعار “الجمال في خدمة البيئة والقراءة”. فكرة المهرجان ليست ترفًا ثقافيًا ولا حدثًا فلكلوريًا، بل تجسيد لوعي بيئي وثقافي جديد يجعل من ثمرةٍ بسيطة، هي هبةٌ من الله، بوابةً للحديث عن الهوية الفلاحية والابتكار المحلي والتنمية المستدامة. إنها مبادرة ذكية تُعيد ربط الإنسان بالأرض، وتُذكر بأن الجمال يمكن أن يولد من أبسط الأشياء حين ننظر إليها بعين الفن والمعرفة، لأن الجمال حين ينبع من البساطة يصبح أعمق وأصدق.
في قلب المهرجان تتألق مسابقة ملكة جمال مهرجان اليقطين، المخصصة للشابات بين 18 و30 سنة، والتي لا تسعى إلى قياس الجمال بالمظاهر، بل لتكريمه كقيمة إنسانية وبيئية. فالفتاة التي تدرك معنى العطاء، وتحترم الطبيعة، وتؤمن بجمالها الداخلي، هي الملكة الحقيقية. إنها مسابقة تحتفي بالأنوثة الواعية، لا بالزينة، وبالذكاء المتصل بالأرض لا المنفصل عنها.
ولأن الإبداع لا يُقاس بالعمر، يُستحسن أن تُفتح باقي المسابقات، من أجمل مقالٍ أو قصةٍ عن اليقطين والبيئة إلى أفضل وصفةٍ أو مربى تقليدي أو عصري، مرورًا بأجمل مشروع بيئي أو فلاحي مبتكر، في وجه كل الأعمار ومن الجنسين. فربّة البيت التي تعرف أسرار المطبخ، والفلاح الذي يزرع بيده، والكاتب الذي يرى في اليقطين رمزًا للخير، والطالب الذي يحلم بمستقبلٍ بيئيٍّ أفضل، كلهم جزء من لوحة واحدة اسمها دكالة. بهذا المعنى، لا يكون المهرجان مسابقةً فحسب، بل فضاءً للتشارك والإبداع الجمعي، حيث تلتقي التجارب في حب الأرض.
مجرد اقتراح: لماذا لا تتحول الجديدة في ليالي المهرجان إلى مدينة من الضوء؟ كما في المهرجانات العالمية، حيث تُزيَّن الساحات والممرات بفوانيس مصنوعة من قشور اليقطين تتوهج بلونها البرتقاليّ الدافئ، لتمتزج رائحة التراب بضياء الفرح. ويحمل الأطفال المصابيح الصغيرة، وتُقام أمسيات موسيقية وثقافية، وتغدو المدينة بأكملها مرآةً للأمل والبهجة. ليشعر الجميع أن اليقطين ليس مجرد ثمرةٍ على الموائد، بل أصبح نورًا يضيء القلوب والطرقات.