الألباب المغربية/ نادية عسوي
أشرف عامل إقليم الجديدة اليوم على تدشين مشروع إعادة تهيئة الطريق الشاطئية بمدينة الجديدة.. خبر قد يبدو عادياً في وسائل الإعلام، لكنه بالنسبة لي شخصياً يحمل أكثر من معنى.
أنا من مواليد الدار البيضاء، لكن منذ أول زيارة لي إلى الجديدة في تسعينيات القرن الماضي، وقعت في حب هذه المدينة، عشقتها منذ الوهلة الأولى وقررت أن استقر بها وأن أخدم أهلها: مدينة تمتد بين زرقة البحر وخضرة الحدائق، تجمع بين نسيم الأطلسي وبهاء الطبيعة. كانت الجديدة آنذاك لوحة متناسقة الألوان، حيث الفضاء مفتوح والهواء نقي.
ومع مرور السنوات، تغيّرت الملامح.. نتذكر جميعاً تجربة كورنيش شارع النصر التي استبشرنا لها خيراً، فإذا بالنتيجة “شوهة”.. شارع ضيق مليء بالمنعرجات، “بالوعات” وسط الطريق كالأفخاخ، أرصفة مصبوغة بلا روح، وسور مشوّه. وفي مواسم الأمطار، يتحول الشارع إلى مجرى سيول.
ثم جاء مشروع حي المطار، كان يفترض أن يشكل متنفساً عمرانياً عصرياً، لكنه ركّز على العمارات والإسمنت، بينما المساحات الخضراء بقيت محتشمة، لا ترقى لمستوى مدينة بموقع جغرافي متميز وبثقل اقتصادي وصناعي واضح. وهكذا تحوّلت الجديدة تدريجياً إلى مدينة إسمنتية، فقدت شيئاً من سحرها القديم.
وجاء مشروع طريق سيدي بوزيد الذي طال كثيراً قبل أن يرى النور، وفي أيامه الأخيرة تم اللجوء إلى الصباغة كحل تجميلي، دون أن يرتقي إلى مستوى تطلعات الساكنة. وبعده الطريق الرابط بين شارع بن باديس ومحطة القطار. كنا ننتظر شرياناً حضرياً عصرياً، لكن النتيجة لم تكن سوى كارثة أخرى. وها هو شارع إبراهيم الخليل بدوره يدخل مسلسل الإصلاحات المتكررة، وكأننا محكومون بالتجريب الدائم.
واليوم، ونحن أمام مشروع جديد لإعادة تهيئة الطريق الشاطئية، لا يسعنا إلا أن نتمنى أن يكون مختلفاً.. لكن الخوف يسكننا: أن يتحول إلى نسخة أخرى من مشاريع مسخٍ شوهت وجه المدينة بدل أن تجمله.. صار يبدو وكأن قدرنا أن نعيش مع منتخبين محليين يستهينون بأحلامنا، ويتركوننا نتجرع واقعاً من الإسمنت البارد، بينما نستحق مدينة تليق بتاريخها وبحبنا لها.
الجديدة لا تحتاج لمساحيق تجميل، بل لمشاريع حقيقية تعكس جمالها ومكانتها.
إنها فتاة الأطلسي، الجميلة جمال أميرات القصص، العاشقة لبحرها، الحاملة في عيونها سرّ الموج وذاكرة الحدائق.
مدينة كهذه لا يليق بها الإسمنت البارد، بل رؤية عمرانية تُنصف تاريخها وتحتضن مستقبلها، وتُبقيها وردةً متفتحة على شاطئ الأطلسي.