الألباب المغربية/ محمد خلاف – الجديدة
لا مراء أن الحي البرتغالي بمدينة الجديدة من بين أهم المعالم التاريخية المشهورة في المغرب قاطبة، إذ يمثل جزءا من ذاكرة المملكة من حيث بناياته وشوارعه وأسواره وأبوابه وأزقته التي تنفرد دون سواها بميزات معمارية تمزج بين ما هو إسلامي أندلسي وما هو أوروبي.
لكن مظاهر الإهمال الذي تعرضت لها هذه المعلمة التاريخية، إحدى أهم المواقع الأثرية بالمحيط الأطلسي، فرض على الجهة الوصية، وزارة الثقافة وعمالة إقليم الجديدة، وضع برنامج لإعادة الاعتبار لها، وإعادة هيكلتها وهو ما دفع بمنظمة “اليونيسكو” إلى اعتمادها في 30 يونيو 2004، تراثا عالميا بمناسبة انعقاد مؤتمر زوهو بالصين .
وانطلقت أشغال الترميم رسميا في 11 يونيو 1994، وشملت عملية الترميم برج “سان سيباستيان” وتم فتح ممرات على السور بعد إزالة الأشواك والأحجار والأتربة المتراكمة، كما تم فتح الطابق السفلي المحاذي لمرسم الزبير والذي يتم الولوج إليه من الزقاق الموالي لباب البحر مرورا من الزاوية الحمدوشية والكنيسة الصغرى فدار البارود.
يشار إلى أن النواة الأولى للحي البرتغالي، أو “مازغان”، انطلقت منذ سنة 1502 عندما حلت رحلة لبحارة برتغاليين بموقع “مازيغن”. وشرع في وضع اللبنة الأولى للقلعة سنة 1514م من طرف المهندسين البرتغاليين الأخوين فرانسيسكو ودييغو دي أرودا، عندما عاد أسطول برتغالي محمل بكل اللوازم والمعدات.
وشهد الموقع البرتغالي عملية توسيع وتحصين كبرى انطلاقا من سنة 1541م، بعد طرد البرتغاليين من الشواطئ المغربية، خاصة من أكادير وآسفي وأزمور. وتزامن ذلك مع بداية بروز مد مغربي مقاوم للاحتلال ومحاولة تحرير الثغور من طرف الجيوش السعدية.
وظل البرتغاليون مستوطنين ب”مازاغان” إلى غاية 1769، عندما حاصر السلطان سيدي محمد بن عبد الله القلعة البرتغالية، مما فرض على البرتغاليين التفكير في مغادرة المدينة عبر البوابة البحرية (باب البحر)، التي كانت تدخل منها البضائع. ولكن لخبثهم ودهائهم وضعوا برامل من البارود بأسوارها وتركوا شيخا أوكلوا له مهمة إشعال البارود لتفجيرها ومنها أخذت لقب “المهدومة”.
ويبقى الحي البرتغالي بالجديدة.. ذاكرة يمتزج فيها الإرث الإسلامي بالأندلسي، كما أن مظاهر الإهمال تبدو ببعض الجوانب، رسالة إلى المسؤولين….
وأنا في زيارة لمدينة الجديدة التي سكنتها لسنتين 1997الى1999، هذه المدينة التي كان قد لمع بريقها وصارت متنفسا لكل المدن المجاورة، فوجئت بحجم العبث والإهمال الذي تعرضت إليه، النموذج من الحي البرتغالي “الثرات المعماري” حيث تحولت أبواب السور إلى مراحيض عمومية برائحة لا تطاق… اعلموا أيها المتخاذلون أن التراث التاريخي بالجديدة هو ملك لكل المغاربة، وملك لكل الإنسانية، واعلموا أن غيركم من الأمم الراقية مستعدون لشراء كل حجر وكل طوب من السور، ومستعدون لشراء هذه المدينة الأثرية بأغلى ما عندهم …. لقد حولت هذه الجوهرة إلى مزبلة وأعدمت فيها كثير من معالم الجمال وعلى رأسها مشهد أفق البحر على طول الطريق الساحلي بإقامة سور قزمي معيب فاقد لأبسط معالم جمال البناء والمعمار، لم يزدهر بالمدينة إلا أعداد حراس السيارات أصبحوا في كل شبر بالعشرات.