الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في زمننا المعاصر، لم يعد التلوث مقتصراً على البيئة أو الهواء أو الماء؛ بل ظهر نوع جديد من التلوث أشد خطراً وأكثر اختراقاً، إنه التلوث الأخلاقي. هذا النوع من التلوث لا يفسد الطبيعة ولا يلوث البحار، بل يفسد العقول ويغزو القلوب وينخر في جذور الأخلاق. لقد تمكن الإنسان من ابتكار وسائل إعلامية تسللت إلى عمق حياته اليومية، وتوغلت إلى أبعد حدوده الشخصية، حتى باتت تتسلل إلى غرف نومه، وتشارك عائلته مائدة الطعام، من خلال التلفاز، والراديو المحمول الذي يمكن وضعه في الجيب أو حتى ضمه إلى الصدر كصديق حميم.
ومع هذا النفوذ الكبير لهذه الوسائل، أصبح من الممكن توجيه رسائل موجهة تخترق قلوب الناس وعقولهم، وتشكّل وعيهم بما يراه البعض على أنه “الواقع الجديد”. في هذا العصر، بات من السهل ترويج الباطل، وإغراق المجتمعات بالأكاذيب، والتحكم في مشاعر الناس واتجاهاتهم. من خلال الأغاني التي تتسلل إلى أذاننا ليلاً ونهاراً بكلمات خالية من الحياء، ومن خلال المشاهد الجريئة والمغازلات التي تُعرض دون اعتبار لقيم، أصبح هذا المحتوى جزءاً من واقع يومي لا مفر منه.
هذا الانفتاح المتزايد أدى إلى نشوء جيل يتربى منذ صغره على هذه “الواقعيات” الجديدة، فينشأ دون أن يدرك قيمة الحياء أو حدود الأدب، إذ يتبدد الحياء تدريجياً ويُمحى من حياة الفرد والمجتمع، ومع زوال الحياء تبدأ القيم بالتلاشي شيئاً فشيئاً.
إن انتهاء الحياء يشير إلى انهيار الحاجز الأخير الذي يحمي الأخلاق، فمع زواله تبدأ حقبة جديدة، يمكننا أن نطلق عليها “عصر دولة القرود”؛ مجتمع تغلب عليه الشهوات، حيث تتلاشى القيم ويحل محلها السلوكيات الغريزية البحتة. في هذه الدولة، ينحدر الإنسان عن سمو أخلاقه، ويصبح أشبه بمخلوق لا يعي سوى غرائزه، فاقداً للحس الأخلاقي والرؤية العقلية التي تميزه.