الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
من قال إن إدريس لشكر انتُخب لولاية رابعة لأنه أراد؟ من قال إن الأمر كان شهوة سلطة أو نهما في القيادة أو كل هذا؟ ربما دُفع إلى ذلك دفعا، وربما جُر إليه جرا، المهم أنه يستحيل أن يفعل ذلك وحده ولا يهم من دفعه ولا الجهة التي باركت المسار، الأهم هنا أن الرجل وصل، ووصوله ليس حدثا سياسيا بقدر ما هو تأكيد على انضباط المشهد لما تريده المنظومة.
وجود لشكر على رأس الاتحاد الاشتراكي اليوم ليس نشازا في لوحة البؤس السياسي المغربي، بل هو اللمسة التي تكمل التناسق؛ تماما كما تحتاج لوحة الظل والرماد إلى بقعة رمادية إضافية لتبدو متوازنة. فالرجل لا يزعج أحدا، لا يهدد التوازنات، لا يفتح جبهات غير محسوبة، ولا يغامر بخطاب خارج الإيقاع العام. إنه ببساطة “اللاعب المناسب في الظرفية المناسبة”، يحافظ على الإيقاع العام الذي لا يحتمل المفاجآت ولا الأصوات المنتظمة داخل النشاز.
يكفي أن نلقي نظرة على القاعة في يوم المؤتمر أمناء أحزاب، ووجوه مألوفة من زمن سياسي واحد، كأن الزمن توقف عند نسخة واحدة من السياسة المغربية. لا أحد يخاف من أحد، ولا أحد يطمح أن يتجاوزه الآخر. الكل يلعب في مباراة واحدة، بلا خصوم، بلا جمهور، بلا أهداف تُسجل في مرمى التغيير.
لشكر في هذه اللوحة ليس قائدا ولا متآمرا، بل عنصر استقرار، رمز لما أصبحت عليه السياسة عندنا فنّ البقاء بلا جدارة، وإتقان لعبة التوازن دون مضمون. وجوده يضمن انسيابية المنظومة، استمرار المشهد بلا شوائب، بلا ارتجاجات، بلا أسئلة.
بالنسبة لي لا يمكن أن أرى انتخابه لولاية رابعة خطأ فقط و أقف عند هذا الوصف، و لكن أراه كذلك خيار واع، محسوب يخدم الغاية الكبرى أن يظل كل شيء على حاله. فالتغيير في المغرب لم يعد مطلبا سياسيا، بل أصبح خطأً بروتوكوليا.
هكذا يستمر المشهد السياسي المغربي في عزف مقطوعته القديمة، حيث كل آلة تعرف حدود صوتها، ولا أحد يجرؤ على كسر الإيقاع. والنتيجة؟ سمفونية بؤس سياسي محبوكة، كلها نشاز لا عازف مخالف لما تمليه “النوتة”..
يا قوم نحن لا نعيش أزمة أسماء إنها أزمة جرأة فالمشهد لم يعد يحتاج إلى وجوه جديدة، ننتظر معجزة ولادة وجدان سياسي جديد..نبوءة رجل أو امرأة يملك الجرأة على أن يكون النشاز الجميل في سمفونية البؤس هذه..متأسفة لما آل إليه الحال ما بيدي سوى بوح ساخر أخربشه على هذا الحائط إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..