الألباب المغربية/محمد عبيد
تستحضرني القولة الشعبية: “مَنْ جْنَابْهُمْ لقَّمْ لْهُمْ لْفُومْهُمْ”… عندما أركز التفكير من خلال الإطلاع على ما يطبخ من مشروع ميزانية 2024… التي تطغى عليها سياسة الترقيع…
نعم هكذا يمكن استخلاص ما يروج بشأن تجويد العيش الذي تركز عليه الحكومة أن أعلن رئيسها اخنوش أنه سيتم تخصيص دعم اجتماعي مباشر للأسر المستهدفة التي لها أبناء، حيث ستتوصل هذه الأسر بدعم عن كل طفل لم يتجاوز 21 سنة، قيمته الشهرية 200 درهم ابتداء من 30 دجنبر 2023، ويستمر طيلة سنة 2024، ثم يصل ل 250 درهم شهريا سنة 2025، ليتم رفعه إلى 300 درهم شهريا ابتداء من سنة 2026.
في وقت جاء في مشروع قانون المالية 2024: زيادات جديدة بالجملة للضريبة ورسوم الاستهلاك على عدد من المواد ابتداء من فاتح يناير 2024، حيث الزيادة ستشمل خدمات توزيع الماء والكهرباء، وخدمات نقل المسافرين والبضائع.
*يناير 2024، سترتفع الضريبة من 7٪ إلى 8٪.
*يناير 2025 ستصبح 9٪.
*يناير 2026 ستصل إلى 10٪.
*بالنسبة للضريبة المفروضة على الطاقة الكهربائية، ستزيد من 14٪ إلى 16٪ في يناير 2024. ثم إلى 18 ٪ في يناير 2025، و أخيرا إلى 20 ٪ في يناير 2026.
*زيادة الضريبة على خدمات إيجار عداد الماء و عداد الكهرباء بنسبة 11٪ ابتداء من يناير 2024، و15٪ ابتداء من يناير 2025، ثم 20 ٪ ابتداء من يناير 2026
*الرفع من رسوم استيراد الشاي الأخضر من %2.5 الى %30 ما يعني أن أسعار الشاي سترتفع…
-فيما يتعلق بخدمات نقل المسافرين و البضائع (باستثناء النقل السككي)، سترتفع الضريبة من 14٪ إلى 16٪ في يناير 2024، و إلى 18٪ في يناير 2025، و أخيرا إلى 20٪ في يناير 2026.
-سيتم خفض الضريبة المفروضة على بيع الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة من 14٪ إلى 12٪ ابتداء من يناير 2024، و إلى 10٪ ابتداء من يناير 2025.
-تعميم الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على المنتجات الاستهلاكية (جميع المنتجات الصيدلية واللوازم المدرسية والزبدة ذات الأصل الحيواني والسردين المعلب والحليب المجفف والصابون).
إن حجم الأموال التي سيتم استخدامها لتزويد نظام المساعدة المباشرة الجديد يتجاوز بكثير حجم المدخرات التي سيتم تحقيقها من خلال إصلاح صندوق التعويضات.
فالمتعن العادي قبل المختص سيلاحظ بجلاء تناقضا بين ما يدعو اليه مشروع ميزانية 2024 وبين المبالغ التي رصدتها الحكومة لفائدة حملات الدعاية التي تندرج ضمن إهدار أموال عمومية، وتساهم في إنهاك مالية الخزينة العمومية في سياق مطبوع بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية!
إذ تزعم الحكومة في مشروعها المالي اعتماد اربع أولويات التي حددتها لمشروع موازنة 2024، وهي: “مواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية وتوطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية وتعزيز استدامة المالية العمومية”.
فهذه الأولويات تحتاج الى إرادة قوية وسياسة حكومية تتصف بالابتكار والإبداع وقوة الاقتراح في وضع برامج للتفاعل مع الإيجابي مع الأزمات الدولية وتصاعد التوترات الجيوسياسية، لتفادي تداعياتها على النمو الاقتصادي وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، أما الفشل في التخطيط وانتهاج سياسات تتسم بقصر النظر وإلقاء اللوم على تلك الأزمات والتباكي على المواطنين فهذا حل العاجزين.
مطلوب من الحكومة وضع سياسة ناجعة للتقليص التدريجي من عجز الميزانية، وذلك من أجل وضع المالية العمومية في مسار تقليص المديونية وتعزيز التوازن المالي واستعادة الهوامش المالية الضرورية لمواصلة الأوراش التنموية بعيدا عن المس بالقدرة الشرائية للمواطن، حيث ارتفاع صاروخي في مواد الاستهلاك وفي سوق الخضر ووووو تكتوي بها جيوب المواطنات والمواطنين لن تنفع معها وصفة الدعم الاجتماعي المروج (هاك دعم شهري 500درهما وخلص الماء والضوء والبوطان ب600درهما على الاقل..) ناهيك عما يسجل من غول تكاليف العيش في غياب التحكم في ارتفاع الأسعار؛ وفي وقت ارتفعت فيه أسعار الوقود الى ثلاث زيادات في الشهر الحالي؛ وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ المغرب والتحكم في تغول لوبيات السوق الاقتصادية والتجارية والوقود وتلاعباتها بالأسعار!
أما ما جاء في المشروع حول كون “التقديرات الأولية تشير إلى تحقيق معدل نمو بـ %3.2 خلال الفصل الثاني من 2023، و %3.4 خلال الفصل الثالث من نفس العام”. فهذا مجرد وهم تكذبه المؤسسات الوطنية ذات الاختصاص وكذا تقارير المؤسسات الدولية.
وفيما يخص النفقات العامة تزعم حكومة أخنوش “ترشيد استعمال المياه، وتقليص نفقات استهلاك الكهرباء وعقلنة النفقات المتعلقة بالاتصال”، و”التقليص لأقصى حد من نفقات النقل، والتنقل داخل وخارج المملكة، ونفقات الاستقبال والفندقة، وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا نفقات الدراسات”، ويمكن أن نرى أن هذه إجراءات يجب أن تتصف أصلا بالاستمرارية والديمومة، وربطها بالتقشف مما يبين أن الحكومة غير مقتنعة بديمومة تطبيقها وتحويلها الى سلوك في الإدارة بغض النظر عن المرحلة التي تمر بها البلاد.
وهذا يعني أن النهج الذي اعتمدته الحكومة لتطبيق نظام المساعدات المباشرة يتجاوز الاعتبارات المحاسبية والميزانية، وهو في مجمله تبسيطي، والذي كان يتألف، منذ وقت ليس ببعيد، من القول بأن مجرد إعادة تخصيص ميزانية التعويضات سيكون كافيا لمكافحة هذه الظاهرة، الفوارق الاجتماعية، حتى أن البعض جعل من الظهور بمظهر “المدافعين” عن الشعب حجة رئيسية.
ومع ذلك، في ضوء ما شرحه رئيس الحكومة بشكل مطول وتفصيلي للبرلمانيين، فإن الأموال التي تم توفيرها بفضل الإصلاح الشامل للتعويضات لن تشكل سوى جزء من الموارد التي سيتم ضخها فعليًا في المساعدات المباشرة اعتبارًا من دجنبر المقبل.
وهناك جزء آخر، وهو الأهم، يجب تمويله من خلال جهد إضافي في الميزانية أو أيضًا من خلال الاستخدام الأمثل لبعض الأموال المخصصة.
وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع الدولة من خلالها أن تضمن بشكل فعال فائدة وقابلية تطبيق سياسة إعادة التوازن الاجتماعي، الأمر الذي يريده جلالة الملك حقا للمغاربة وليس فقط الترقيع والترقيع في الميزانية…
الترقيع في مشروع ميزانية 2024.. والحاجة إلى ضمان فعال لإعادة التوازن الاجتماعي
اترك تعليقا