الألباب المغربية/ حسن شتاتو
رغم مرور عقود على التجربة الانتخابية في المغرب، لا يزال الشارع المغربي يتساءل: هل يمكن أن تُفرز صناديق الاقتراع نخبًا سياسية نزيهة وكفؤة قادرة على تدبير الشأن العام؟ الجواب يبدو، للأسف، سلبيًا.
- مرشحون بلا كفاءة
على المستوى المحلي، يطرح سؤال أهلية المترشحين نفسه بإلحاح. فكيف يمكن الحديث عن “نخبة سياسية” في حين أن بعض المترشحين يفتقدون لأبسط مقومات الثقافة والمعرفة، بل حتى المستوى الدراسي؟ وحتى من يملك شهادة أكاديمية، لا يشفع له ذلك إذا كان هدفه الأول تحسين وضعه الاجتماعي عبر مناصب المسؤولية.
“الملايين التي تُصرف في الحملات ليست حبًا في خدمة المواطن، بل استثمارًا يُراد استرجاعه بطرق غير نزيهة”.
- المال طريقًا إلى القرار
الأرقام الخيالية التي تُنفق خلال الحملات، والتي تصل إلى الملايين، تكشف بوضوح طبيعة النوايا. فمن يدخل غمار الانتخابات بهذا المنطق لا يسعى إلى خدمة الصالح العام، بل إلى ضمان عائد استثماري عبر شبكات الزبونية والفساد.
- أصوات على المقاس
لا تقل طريقة تعيين المنتخبين في بعض المجالس غرابة. ففي كثير من الحالات، يكفي للمترشح الحصول على عشرات الأصوات من أبناء قبيلته ليصبح مسؤولًا عن تدبير شأن منطقة بأكملها، وهي في أمسّ الحاجة إلى أشخاص نزهاء وكفوئين.
- الناخب شريك في الأزمة
المعضلة لا تقف عند حدود المترشحين، بل تشمل الناخبين أيضًا. فبيع الأصوات بمئتي درهم أو مقابل الولائم الانتخابية أصبح سلوكًا شائعًا، إلى جانب التصويت بدافع التعصب الإيديولوجي، سواء للإسلاميين أو اليساريين أو بعض “الحقوقيين” المرتبطين بأجندات خارجية.
“الناخب الذي يبيع صوته لا يملك الحق في محاسبة المنتخب لاحقًا”.
- أحزاب بلا برامج
أما الأحزاب السياسية، فهي الأخرى تتحمل مسؤولية هذا الوضع. إذ غالبًا ما تكتفي ببرامج فضفاضة وشعارات عامة لا ترقى إلى مستوى الخطط المدروسة، تاركة الناخب أمام خيارات مشوشة تفتقد للجدية.
- في مواجهة الخطاب الرسمي
في إحدى خطاباته، شدد ملك البلاد على أن من يصوّت للفاسدين لا يحق له بعد ذلك أن يحتج على غياب النزاهة وسوء التدبير. ورغم وجاهة هذا الطرح من حيث المبدأ، إلا أن الواقع يثبت أن المنظومة السياسية برمتها غارقة في أعطاب بنيوية تجعل من الصعب على الناخب أن يجد أمامه خيارات نزيهة وحقيقية.
وإذا كان الفساد متجذرًا في العملية الانتخابية، من الترشيحات إلى الحملات، مرورًا بشراء الأصوات والتعيينات المشبوهة، فإن الحل قد يكون في إعادة النظر جذريًا في جدوى الانتخابات المحلية والوطنية. فالمواطن لا يطلب سوى تدبير عقلاني ونزيه لشؤونه، وإذا كان الطريق الانتخابي قد أثبت عجزه، فإن البديل هو أن يتحمل رأس الدولة مسؤولية التعيين المباشر لممثلي المؤسسات، مع ربط ذلك بمبدأ المحاسبة الصارمة.
“إذا كانت الانتخابات لا تفرز إلا نفس الوجوه ونفس الممارسات، فما الجدوى من استمرارها؟”
- الحاجة إلى إصلاح جذري
الوضع الراهن يجعل الانتخابات مجرد آلية شكلية تُعيد إنتاج نفس الوجوه ونفس الممارسات، بدل أن تكون مدخلًا لإفراز نخبة سياسية قادرة على التغيير. الإصلاح يبدأ من إعادة الاعتبار لقيمة الصوت الانتخابي، وتجريم شراء الذمم بصرامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن المغرب بحاجة إلى نخبة سياسية نزيهة وكفؤة لا تُقاس قيمتها بعدد الأصوات القبلية أو حجم الأموال المصروفة، بل بقدرتها على صياغة برامج واقعية، والدفاع عن المصلحة العامة، وتسيير الشأن المحلي والوطني بعقلانية واستقامة.
“بدون إصلاح جذري، ستظل الانتخابات مجرد مسرحية متكررة، والجمهور هو الخاسر الأكبر….”.