الألباب المغربية/ شاشا بدر
الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية والتنمية المستدامة في المغرب تمثل نهجاً شاملاً يسعى إلى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي من جهة وحماية الموارد الطبيعية والبيئة من جهة أخرى. إذ أدرك المغرب مبكراً أهمية التنمية البشرية كعنصر محوري في تحقيق التقدم المستدام، حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحسين مستوى المعيشة وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. التنمية البشرية تشمل تحسين جودة التعليم، وتعزيز الرعاية الصحية، وتوفير فرص عمل لائقة، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للجميع. وقد انطلقت الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية بهدف تعزيز القدرات البشرية وتطويرها لتمكين الأفراد من تحقيق طموحاتهم والمساهمة الفاعلة في المجتمع، وتشمل هذه الاستراتيجية أيضاً تحسين البنية التحتية في المناطق المهمشة والنائية وخلق منظومة دعم اجتماعي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
من ناحية أخرى، ترتكز استراتيجية التنمية المستدامة في المغرب على تحقيق التوازن البيئي والاجتماعي والاقتصادي، حيث تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة لتحقيق رفاهية اقتصادية طويلة الأمد. وقد أدرك المغرب الحاجة الملحة للحد من استنزاف الموارد والتلوث البيئي، وتم تطوير سياسات تهدف إلى الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، وإدارة النفايات بطرق صديقة للبيئة، والتوسع في مشاريع الطاقة المتجددة كوسيلة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل انبعاثات الكربون. تمثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اليوم جزءاً أساسياً من الطاقة الوطنية، حيث أقام المغرب العديد من المشاريع الكبرى مثل مشروع نور للطاقة الشمسية، ويأتي ذلك ضمن إطار التزام المغرب بالاتفاقات الدولية المتعلقة بمكافحة التغير المناخي، ويؤكد على دوره كدولة رائدة في تحقيق الاستدامة البيئية في المنطقة.
التنمية البشرية والتنمية المستدامة في المغرب لا تركز فقط على البعد البيئي، بل تشمل أيضاً البعد الاجتماعي الذي يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والقروية. لذلك تعمل الاستراتيجية على توفير الخدمات الأساسية للجميع، مثل التعليم والرعاية الصحية والمياه النظيفة والبنية التحتية. وقد تم إطلاق عدة برامج تهدف إلى دعم الأسر المعوزة وتوفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، بالإضافة إلى دعم مشاريع صغرى تستهدف النساء والمجموعات الأكثر ضعفاً في المجتمع. كما أن التركيز على تمكين المرأة والشباب يعد جزءاً أساسياً من استراتيجية التنمية البشرية، حيث يتم تشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الحياة الاقتصادية والسياسية، ويتم ذلك من خلال برامج التكوين المهني والدعم المالي للمشاريع الصغرى، مما يسهم في تعزيز قدراتهم ويتيح لهم فرصة أكبر للاندماج في المجتمع وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
تعتبر الشراكات والتعاون مع المؤسسات الدولية والمحلية جزءاً محورياً في تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة والتنمية البشرية، حيث يسعى المغرب إلى الاستفادة من التجارب العالمية في مجالات الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد، والتعليم، والصحة. يعمل المغرب مع عدد من المنظمات الدولية والجهات المانحة التي تدعم المشاريع التنموية الكبرى وتوفر التمويل اللازم لتطبيق السياسات الخضراء، وتعزز من قدرات المؤسسات الوطنية، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفق رؤية شاملة. ويستفيد المغرب من هذه الشراكات في تعزيز الابتكار والبحث العلمي من أجل تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة استخدام الموارد وزيادة الإنتاجية الزراعية والصناعية بطرق مستدامة.
إضافة إلى ما سبق، تتضمن الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية والتنمية المستدامة في المغرب وضع إطار قانوني وتشريعي يمكن من تنظيم وتطبيق المشاريع التنموية، حيث أصدرت الحكومة المغربية قوانين تتعلق بحماية البيئة وتشجيع الاستثمار في القطاعات الخضراء، مثل قوانين الطاقات المتجددة وتشجيع الاستثمار في الزراعة المستدامة والصناعة النظيفة. كما تعمل هذه القوانين على حماية حقوق الأفراد وتكفل توفير الخدمات الأساسية لهم، مما يعزز من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. أيضاً تعمل الجهات الحكومية بالتنسيق مع المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة لتطبيق ومراقبة هذه القوانين على أرض الواقع وضمان التزام الجميع بها.
الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية لا تقتصر فقط على تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، بل تهدف أيضاً إلى بناء مجتمع قادر على التكيف مع التحديات البيئية والاقتصادية المستقبلية. إذ تضع الاستراتيجية نصب عينيها التحديات العالمية مثل التغير المناخي وتراجع الموارد الطبيعية والنمو السكاني المتسارع، وتسعى إلى إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لهذه التحديات من خلال الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والتعليم وبناء القدرات. يسعى المغرب إلى أن يكون نموذجاً يحتذى به في المنطقة في مجال التنمية المستدامة، حيث يثبت التزامه الدائم بالعمل على تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، وضمان التعليم الجيد، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان توافر المياه النقية والطاقة المستدامة للجميع.
تأتي الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية والتنمية المستدامة كجزء من رؤية المغرب المستقبلية 2030، التي تسعى إلى تحسين مستوى المعيشة وتحقيق رفاهية شاملة لجميع المواطنين، حيث تم تصميم البرامج والمشاريع التنموية لتحقيق هذا الهدف الطموح، وقد تم رصد ميزانيات كبيرة لهذه الاستراتيجية بالتعاون مع مختلف القطاعات الحكومية والخاصة. كما أن الحكومة المغربية تعمل على تشجيع الاستثمارات التي تتماشى مع مبادئ الاستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يتم تحفيز الشركات والمؤسسات على تبني أساليب إنتاج صديقة للبيئة وتقديم منتجات تتماشى مع معايير الاستدامة.تشكل الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية والتنمية المستدامة في المغرب نموذجاً متكاملاً يعكس الالتزام الوطني ببناء مستقبل أفضل للمغاربة. تسعى هذه الاستراتيجية إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع الحفاظ على الموارد للأجيال المقبلة. وبفضل الإرادة السياسية القوية والدعم الشعبي، يمضي المغرب بثبات نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تضمن حقوق المواطنين وتحافظ على التراث البيئي للمملكة.