الألباب المغربية/ ذ. محمد الزكاري
الاحتجاجات الشبابية السلمية التي يعرفها الشارع المغربي في هذه اللحظة التاريخية، لم تأتِ من فراغ، ولم تُفاجئ سوى أولئك الذين اختاروا الانفصال عن نبض المجتمع. هذه الاحتجاجات، بما تحمله من مطالب مشروعة وعدالة اجتماعية واضحة، كشفت هشاشة البناء الحزبي، وأظهرت عجزه عن لعب أدواره الطبيعية في التأطير والوساطة.
أحزاب الأغلبية معها حزب العدالة والتنمية والتقدم والإشتراكية بصفتهم شركاء في التسيير خلال العقد الأخير تتحمل المسؤولية المباشرة عن تدهور الوضع الاجتماعي وعن سحق ما تبقى من الطبقة الوسطى. لكن الصدمة الحقيقية تأتي من المعارضة، التي تخلّت عن الشارع في لحظة كان يفترض أن تكون هي لحظة اختبارها الكبرى. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رمز النضال الاجتماعي والتاريخ الطويل في معانقة قضايا الشعب، قدّم المثال الأكثر وضوحاً على هذا الغياب.
فمنذ عقود، كان للشبيبة الاتحادية موقع الصدارة في قيادة الحركات الشعبية، من مرحلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مروراً بمحطات السبعينيات والثمانينيات، وصولاً إلى حركة 20 فبراير، حيث تميز حضورها بالجرأة والفاعلية، بعيداً عن أي حسابات ضيقة أو انتظار لإشارات من القيادة المركزية. واليوم، يتكرر المشهد دون حضورها، وكأنها فقدت البوصلة، أو فقدت الإرادة.
فكيف يمكن لحزب بمرجعية اجتماعية أن يتقدم غداً للاستحقاقات الانتخابية وهو بعيد عن الشارع، وعن مطالبٍ هي في الأصل جوهر تاريخه ومبرر وجوده؟ ولماذا لم يخرج الحزب، إلى حدود الساعة، ببيان واضح الموقف: تأييداً أو تنديداً؟ هل هو صمت محسوب على غرار ما قام به حزب العدالة والتنمية في 20 فبراير، حين اختار الحياد وخرج سياسياً رابحاً؟
الجواب الأرجح: ليس الأمر دهاءً سياسياً، بقدر ما هو ارتباكٌ وانفصال عن الواقع. المؤكد أن قيادة الاتحاد وشبيبته أخلفتا الموعد مع لحظة سياسية مفصلية، وأن هذا الغياب لن يمرّ دون كلفة سياسية وأخلاقية باهظة.
الاحتجاجات الشبابية اليوم ليست خصماً للحزب، بل كانت يمكن أن تكون فرصة لتجديد روحه واستعادة صلته بمساره التاريخي. لكن الاتحاد، باختياره الصمت والتواري، يخسر ما تبقى من رصيده الرمزي، ويفرّط في مكانته كحزب اجتماعي كان يوماً مرادفاً للنضال والالتصاق بالشارع.
إنه غياب لا يضعف فقط الاتحاد الاشتراكي، بل يضعف فكرة السياسة نفسها في نظر جيل جديد يتلمّس طريقه خارج مؤسسات الوساطة التقليدية. وهنا تكمن خطورة الموقف.