الألباب المغربية/ أحمد بيضي
في واقعة أثارت ضجة واسعة، وما كان يفترض أن يكون خبرا عاديا في ركن الحوادث، تحول سريعا إلى ما يشبه محاكمة علنية عبر الإعلام ومنصات التواصل، بعد أن انتشر العنوان الصاخب “الفضيحة الكبرى”، مرفوقا بصور واسم فاعلة فنية ورقمية، وبموضوع حول “خيانة زوجية” لم تتأكد صحتها بعد، في حين ظل الرجل الموقوف بالخيانة، والصديقة الأخرى، بعيدين عن الأضواء، هذه الانتقائية في النشر والتشهير كشفت ازدواجية صارخة في المعايير، وأثارت أسئلة حول احترام الحقوق الدستورية للمواطنين، وخاصة مبدأ قرينة البراءة وحق الكرامة والحياة الخاصة.
النصوص القانونية واضحة: الزوج يتابع بجنحة الخيانة الزوجية طبقا للفصل 491، فيما تُتابع السيدتان بتهمة الفساد بناء على الفصل 490، ومع ذلك، فإن الملف مازال في طور البحث، بينما الفنانة وجدت نفسها محاصرة أمام عاصفة إعلامية لا ترحم، جرى خلالها النيل من سمعتها قبل أن تنطق العدالة بحكمها، والسؤال المشروع هنا: كيف يمكن لأي متهمة أن تواجه محاكمة عادلة في ظل طوفان من الإدانات المسبقة؟ وكيف يمكن لإنسانة أن تعيد بناء حياتها الخاصة والمهنية بعد أن أُعدمت رمزيا على مرأى الجميع؟.
المؤسف أن ما جرى لم يكن مجرد متابعة خبرية، بل أقرب إلى حملة ممنهجة قادتها بعض المنابر الإلكترونية وما يعرف بـ “صحافة الفضائح”، التي وجدت في الواقعة فرصة لرفع نسب المشاهدة من خلال عناوين مثيرة ومضخمة، جمهور متعطش للنيل من الأعراض التقط الخيط بسرعة، مستجيبا لثقافة “الطوندونس” التي حولت الفضاء الرقمي إلى محكمة للتشفي والإدانة الجماعية، النتيجة: تكريس ظاهرة التشهير، وتحويل الهفوات الفردية إلى مشهد للفرجة يفتقد للحد الأدنى من المهنية.
هذه الظاهرة لا تكشف خللا مهنيا فحسب، بل تفضح هشاشة الوعي الجمعي، ففي الوقت الذي ترتكب فيه خيانات كبرى بحق المال العام والعدالة الاجتماعية ولا تثير أي ضجة، تُضخم قضايا الخيانة الزوجية وكأنها هزات سياسية، وفي كل مرة تُستهدف المرأة وحدها، بينما تُخفى هوية الرجل وكأنه محصن عبر مفارقة تكشف عمق التمييز الذي مازال ينخر المجتمع.
الأكثر إثارة للقلق هو الغياب شبه التام لدور المجلس الوطني للصحافة، المفترض أنه الحارس لأخلاقيات المهنة، هذا الغياب أو التراخي في مواجهة شكايات التشهير يفتح الباب أمام تجاوزات خطيرة، ويُفقد الناس ثقتهم في الإعلام، ويدفعهم إلى المحاكم بدل اللجوء إلى المؤسسات المهنية.
قانون الصحافة والنشر المغربي (القانون 88.13) يمنع بوضوح نشر الأخبار الكاذبة أو المساس بالحياة الخاصة للأفراد، فيما يلزم ميثاق أخلاقيات المهنة الصحافي بالتحري والدقة واحترام قرينة البراءة وكرامة الأشخاص، غير أن ما وقع للمعنية بالضجة يعكس بجلاء المسافة الكبيرة بين النصوص القانونية والواقع الميداني.
التشهير ليس حرية تعبير كما يروج البعض، بل هو اغتيال معنوي وقتل رمزي يترك جراحا أعمق من أي أذى جسدي، إنه سرطان يتغلغل في جسد المجتمع، يفتك بقيم التضامن، ويزرع مكانها ثقافة الإقصاء والتشفي، وما دام هذا السلوك يجد من يبرره ويستهلكه بشغف، فإن الإعلام سيفقد رسالته النبيلة، والعدالة ستظل مهددة بضغط الرأي العام المنفلت.
قضية “غيثة” إذن ليست مجرد حادث عرضي، بل مرآة تكشف عمق أزمة الإعلام وأزمة الوعي المجتمعي معا، والخلاصة أن صون الكرامة الإنسانية يجب أن يكون خطا أحمر لا يُمس، وأن حماية الحياة الخاصة واجب قانوني وأخلاقي، وأي تهاون في ذلك هو إضعاف لهيبة العدالة وتقويض للقيم التي يقوم عليها المجتمع.