الألباب المغربية/ حليمة صومعي
في أعالي جبال جماعة ناوور التابعة ترابيا لإقليم بني ملال، حيث الطبيعة ساحرة لكن القساوة تفرض نفسها، يوجد دوار “افسافس”، ذلك الركن المنسي الذي لا تزال تنقصه أبسط مقومات العيش الكريم. هو دوار بسيط، لكن ناسه عظماء بقلوبهم الكبيرة وكرمهم الفطري وابتساماتهم التي لا تفارق وجوههم رغم قساوة الظروف.
صلة بالموضوع، الدوار المذكور لا يطالب بالمستحيل، بل فقط بحق بسيط وأساسي كالحق في الصحة، والحق في الدعم، والحق في أن تصلهم قوافل الخير بانتظام.
قبل أيام، كانت بادرة إنسانية جميلة حطّت رحالها بهذا الدوار، حيث نظمت جمعية “الأمان” لدعم وتمكين الأسرة والطفل في وضعية صعبة قافلة طبية متعددة التخصصات، كانت بمثابة نسمة أمل لأهالي “افسافس”. بحيث تم الترتيب مع المنسقية الجهوية للتعاون الوطني والهلال الأحمر المغربي، محوريًا في إنجاح هذه المبادرة، التي جمعت بين خدمات طبية في الطب العام، وطب القلب والشرايين، وطب الأطفال والعيون، والجهاز التنفسي، وغيرها من التخصصات التي افتقدها سكان المنطقة لسنوات.

ما ميز هذه القافلة ليس فقط الخدمات الطبية التي قدمتها، بل ذلك التلاحم الإنساني الذي ظهر جليًا بين كل من ساهم فيها، بدءًا من حفيظة عصيم، رئيسة الجمعية التي قادت هذه المبادرة بقلبها الكبير، إلى جانب الأطقم الطبية والفنية، ومنهم المنشط الوطني، محمد سليمان الذي أدخل الفرحة على قلوب الأطفال، وجعلهم يبتسمون بعد أن زرع فيهم بذور الأمل.
ولا يمكن أن نغفل الدور الهام لرئيس جماعة “ناوور”، والأطر الإدارية التي سهّلت كل الإجراءات، وساهمت في توفير الجو الملائم لإنجاح هذه المبادرة الإنسانية النبيلة. كما لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة لكل من ساهم ولو بكلمة طيبة، أو بابتسامة في وجه هؤلاء الناس البسطاء، هذا من جهة.
من جهة أخرى، فدوار “افسافس” بحاجة إلى المزيد من القوافل، وبحاجة إلى دعم دائم، إلى التفاتة مستمرة، إلى قوافل لا تعالج فقط، بل تستمع وتساند وتواكب. هذا الدوار يعاني من تفشي أمراض مزمنة، خصوصًا بين العجائز، ويحتاج إلى عناية طبية دورية وإلى مبادرات اجتماعية تلامس احتياجات الكبار والصغار على حد سواء.
في “افسافس”، لن تجد شكاوى صاخبة، بل وجوهًا تبتسم رغم الألم. لكن الواجب الإنساني والأخلاقي يحتم علينا ألا نكتفي بالمشاهدة، بل أن نُعرّف بمثل هذه المناطق، ونطالب بأن تكون القوافل الطبية والاجتماعية والتربوية ضيفًا دائمًا في حياتهم.
