الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
قرأت وشاهدت كثيرا من المقالات واللقاءات والنقاشات حول المنعطف الحرج الذي يمر منه الشأن العام والسياسي في هذا البلد.. مما جعلني أعيد التفكير في مقترح متداول حول إسقاط الحكومة ودفعني إلى التساؤل هل فعلا إسقاط حكومة أخنوش سيكون كافيا ؟ هل يكفي أن نُبدل الوجوه كي تتبدل الأحوال؟ كل المؤشرات تقول إن المشكل أعمق من ذلك بكثير وأن الخلل لم يبدأ مع هذه الحكومة ولن ينتهي برحيلها.
هناك عطب في المنظومة السياسية نفسها، في الطريقة التي تُدار بها الأحزاب، وفي الذهنية التي تُنتج نفس الأخطاء كل مرة. الأحزاب التي كان يفترض أن تكون صوت الناس وهمزة وصل بينهم وبين القرار أصبحت في كثير من الحالات مجرد هياكل فقدت الروح تتقاسم المناصب بدل الأفكار وتتنافس في توزيع التزكيات أكثر مما تتنافس في خدمة الصالح العام..
السياسة فقدت معناها لأنها فقدت صدقها. والمواطن فقد ثقته لأنه لم يعد يرى فرقا حقيقيا بين من يرحل ومن يأتي.. لذلك فكل تغيير في الشكل لن يغير الجوهر ما دامت نفس القواعد تحكم اللعبة / الولاء قبل الكفاءة والمصلحة قبل المبدأ.
لكن رغم كل ذلك لا أرى الصورة مظلمة تماما هناك بصيص أمل في شبيبات الأحزاب، إن هي أرادت أن تلعب دورها التاريخي. فالتغيير لن يقدمه أحد على طبق من ذهب بل يجب صنعه من الداخل.. على الشباب أن يتحملوا مسؤوليتهم أن يُعيدوا المعنى للعمل السياسي أن يطالبوا بحقهم في التجديد والنزاهة وأن يضعوا حدا للوجوه التي استوطنت المقاعد حتى جف فيها الدم الجديد.
ولا يمكن أن نصلح السياسة بمعزل عن التعليم والإعلام.. فهما الأصل الذي يُبنى عليه الوعي لا ننتظر جيلا يؤمن بالديمقراطية ونحن نربيه على الحفظ والطاعة ولا ننتظر رأيا عاما ناضجا في ظل إعلام يُسطِّح النقاش ويخاف من الحقيقة.
إن الحل ليس في إسقاط حكومة وضع البلد في حاجة إلى بناء وعي جديد يحترم ذكاء المغاربة ويؤمن بأن الإصلاح ليس لحظة غضب بل مسار طويل يحتاج إلى صدق وإلى مؤسسات تؤمن فعلا بالمحاسبة والشفافية والكفاءة.
حين نصل إلى تلك المرحلة لن نخاف من سقوط أي حكومة لأننا سنكون قد بنينا دولة لا تتأثر بالأشخاص بل تقوم على القواعد التي تحكمهم.. وإلى ذلك الحين أتمنى أن تتحلى جميع الأطراف المعنية بالإصلاح بالشجاعة للإعتراف بتدهور الأوضاع وتقدم كافة الحلول والتضحيات اللازمة وتظهر حسن النية وتقدم الوطن على مصالحها الشخصية، وأدعوا الأطراف المطالبة بالإصلاح والتغيير أن تتحلى بالحكمة والتريث ولا تترك منفذ لجهة ما للركوب على هذه القضية العادلة.. والله يحلب بزولة الرحمة بين العباد..