الألباب المغربية/ خديجة بوشخار
خلال مناقشة أطروحة دكتوراه لأحد الطلبة الذين جعلوا من الفقر والحاجة أرضية لزرع طموحاتهم وحرثها بعزيمتهم وإصرارهم على الوصول وسقيها بقطرات عرق معاناتهم سواء مع الركوض خلف حلم طلب العلم والمعرفة وما يصاحبه من شقاء ومتاعب الدراسة من أدوات وكتب وتنقل ولباس واحتياجات أخرى قد تبدو للشخص العادي رمزية لكنها بالنسبة لأمثال هذا الطالب تفوق القدرة الاستيعابية وتسحبه نحو الحلم بتحقيق الأمل والانتصار على المستحيل، أو على مستوى المنافسة داخل المجال الجامعي والعلوم على وضع القدم بين باقي الأقدام والوقوف بصمود ورفع هامة الشرف والكرامة التي تجعل من الفقير أميرا يزهو وسط فضاء جامعي بتاج مرصع بالنجاح والتفوق رغم مرارة طعم طريق الوصول .
كانت مناقشة أطروحة دكتوراه هذا الطالب محطة إنسانية أكثر منها علمية، لا لشيء إلا لكون هذا الطالب خلال تقديمه لعبارات الشكر والامتنان وهو يقدم أطروحته، جلس القرفصاء في شكره الوجداني الصادق عندما كشف عن امتنانه للأستاذ المشرف عن الأطروحة قائلا: ” أشكر أستاذي ليس فقط لأنه وجهني أكاديميا، بل لأنه كان أحيانا كثيرا يدعمني ماديا ليسهل علي عملية التنقل …”
اعتراف عميق جذب معه أحاسيس إنسانية مختلفة ما فتئت تترجم على محيا كل فرد من الحاضرين حتى تبعتها دموع تعاطف بل تقدير للكرامة الإنسانية عندما أضاف الطالب قائلا: ” لقد باعت أمي ذات يوم الدجاجة الوحيدة التي كنا نربيها داخل البيت لتعطيني ثمن تنقلي إلى الكلية…” هنا توقف الزمن لحظة واشتعلت الأنفاس حرارة، وترادفت الدموع تأثرا،… إنه اعتراف بأن النجاح ممكن أن يولد من لا شيء لكن الاستمرار والإصرار وتحويل مرارة الألم إلى وسام الصمود هو أساس البقاء ووسيلة للوصول إلى العلياء.
لقد صدق محمود درويش عندما قال: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة… وعلى هذه الدموع ما يستحق منا الإنحناء”..
لقد انحنى البروتوكول العلمي والثقافي والوجودي أمام تواضع هذا الطالب الذي جعله يكشف عن أصل وصوله إلى النجاح رغم مرارة هذا الاعتراف وشدة ألمه…..لقد أعطى الطالب حقيقة مفادها أن المناسبة لم تكن لمنح شهادة أكاديمية علمية فقط، بل إعطاء شهادة إنسانية أخلاقية للجميع، ليكون العلم عبارة أن شكل من أشكال الوجود الحقيقي وليس فقط مجرد إنتاج للمعرفة، العلم الذي جعل من الأم المضحية قنديل إضاءة درب هذا الطالب والأستاذ الذي يعتبر في مضمون مهنته هو المربي الأخلاقي أولا، إنه هنا المربي الذي يحرر أكثر مما يلقن لأنه ساعد الطالب ليس فقط على تعليمه كيف “نعرف” بل تعليمه كيف” نكون”.
هذه مرآة جسدت لنا صورة طالب ينتمي إلى أولائك الذين يصعدون من الهامش بشرف، حاملين الحلم والكرامة بين يديهما….هم أولائك المثقفون الذين يصنعون شرعيتهم بصمت وتأمل وشقاء.