عزيزلعويسي
ملحمة كروية مونديالية مغربية بألوان عربية وإفريقية، نقشت أحرفها البارزة بمداد من ذهب في ذاكرة كرة القدم العربية والإفريقية، ووثقت تفاصيلها بحبر الفخر والاعتزاز في سجل تاريخ كأس العالم، ومن الصعب استحضار هذا البهاء الكروي المغربي التاريخي، دون استحضار ما رسمه أسود الأطلس، من لوحات الفرحة على امتداد الوطن العربي الكبير وفي ربوع العالم الإسلامي، امتدت ألوانها نحـو أوربا وأمريكا وآسيا، عن طريق الجاليات المغربية والعربية والإسلامية والإفريقية، التي خرجت إلى الشوارع احتفاء بانتصارات تاريخية، حركت مشاعر العرب والمسلمين، ونالت تعاطف واحترام وتقدير عدد من القادة ومشاهيير السياسة والرياضة والثقافة والإعلام، وكسبت قلوب الأصدقاء والمحبين في مشارق الأرض ومغاربها.
كل العالم اصطف إلى جانب المغرب في هذا العرس المونديالي العربي، وكل العالم العربي والإسلامي شارك المغاربة أفراحهم ومسراتهم طيلة أطوار المونديال، وجل القادة العرب، لم يترددوا في تقديم التهاني إلى المغرب ملكا وشعبا، إلا نظـــام الشر بالجزائر، الذي أدخلته ملحمة الأسود في حالة متقدمة من الغباء والعداء، وصلت حـد الإقــدام على منع الإعلام الرسمي من نشر أي خبر، يواكب الإبداع المغربي في ملاعب قطر، ولم يكتف فقط، بإشهار هذا “الفيتو الإعلامي”، بل واصطف وأزلامه وأبواقه ومنبطحيه إلى جانب المنتخب الفرنسي نكاية في المغرب.
نظام الشر، لم يخرج فقط عن دائرة الإجماع العربي والإسلامي الذي اقتضى ويقتضي تشجيع منتخب عربي إسلامي في موعد كروي مونديالي، بل وكسـر كعادته، كل ضوابط العروبة والدين والتاريخ المشترك، وحطم كل جسور القيم والأخلاق ومبادئ حسن الجــوار، وتمادى في نفـث سموم الحقد والعداء نحو المغرب، في لحظة نجاح مونديالي، كان بالإمكان استغلالها، لتذويب جليـد الخلاف، والمضي قدما في اتجاه بناء مستقبل مشتـرك، تتحقق فيه أحــلام الوحدة والتعاون والاندماج والإشعاع.
ملحمة الأسود التي وصل صداها إلى فلسطين وإسرائيل، فضحت نظام الشر وكشفت عن عــورته أمام العرب وأمام الإعلام الدولي، وتبين مرة أخرى، أنه أكبــر عابث بالأمن القومي العربي وأكبر مهدد لما يتطلع إليه العرب من وحدة وتكتل وتعاون واندمـاج، وهــذا النظام الأرعن، لم يعد ممكنا تركه يعيث في البلاد العربية عبثا وتهورا وتفرقة وشتاتا، وآن الأوان لكبــح جماحه والتصدي لعاداته القبيحة وطباعه السيئة، التي لاتهدد أمن الأمة العربية ووحدتها واستقرارها فحسب، بل وتمنح فرصا لعدد من اللاعبين الدوليين والإقليميين، للعبث بالمنطقة العربية وجرها إلى مستنقعات الفتن ما ظهـر منها وما بطن.
وبقدر ما نفخر كعرب ومسلمين بما قدمته الشقيقة قطر للعالم، من مونديال استثنائي بكل المقاييــس، وبما قدمه أسود الأطلس، من عروض كروية بطولية، حافظت على الهويـة العربية والإسلامية للمونديال حتى فصوله الأخيــرة، وشرفت العرب والمسلمين والأفارقة قاطبة، بقـدر ما نأسف، على نظـام فاقد لأدنى شروط المسؤولية والتبصر، لازال منذ عقـود من الزمن يستثمـر في بنــك العداء الخالد للمغرب ووحدته الترابية، في وقت تستثمر فيه الدول والأمم العاقلة، في بورصـة التكتل و التعاون والاندماج، لتقاسم المنافع والخيرات والمصالح وفق قاعــدة “رابح.. رابح”، في سياق عالمي، لا يؤمن إلا بلغة المصالح المشتركة ولا شئ غيرها.
ولايمكن أن ندع الفرصة تمر، دون تحية كل الجزائريين الشرفاء والأحرار، الذين خرجوا إلى الشوارع بعفوية وتلقائية، وشاركوا جيرانهم المغاربة أفراح الأسود، وتهنئة الإعلام الجزائري الحر الذي تفاعل إيجابا مع ملحمة الأسود، بعيدا عن نعرة العداء، وبفضل هــؤلاء، يبقى حبل الأمل قائما، فـي إدراك صباح، تختفي فيه شمــس الضغينة والعـداء، يكــون فاتحة عهد جديد لبلدين جارين شقيقين، يجمعهما أكثـر مما يفرقهما، وفي جميع الحالات، ومهما اشتدت نعرة العداء أو وصلت “المغربوفوفيا” إلى مداها، هناك بون شاسع بين أسود تسعى إلى البهاء وذئاب تسعى إلى العداء، وهناك حقيقة ثابتة مفادها: الأسود تبقى أسودا والذئاب تبقى ذئابا..