الألباب المغربية/ سمير السباعي
يشكل الدرس الفلسفي إحدى مساحات التفكير الحر في المشهد الجامعي ببلادنا على الأقل منذ عقود من زمن المغرب المستقل. وتكمن هذه الأهمية في كون دروس الفلسفة في هذا المستوى من التكوين والدراسة تسمح نسبيا للدارس(ة) هنا وهناك بامتلاك أدوات منهجية لمقارعة الأسئلة الكبرى التي تساءل ماهية وجودية الإنسان في حد ذاتها، وما تولده من قضايا تبدو مألوفة في سردياتها من دهشة السؤال يمكن أن يشكل في أحايين كثيرة أرضية نحو إنجاز بحوث أكاديمية تعمل على سبر أغوار عدد من تلك المواضيع، بنفس تحليلي تفكيكي يروم الإمساك بشيء من المعنى والتعريف بمنطق الأشياء والتحاور مع البديهيات، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بتيمات تشغل بال الإنسان المغربي في ارتباط بقضايا التنمية والهوية والحداثة والتراث والتقليد وغيرها من العناوين التي لا تزال تحتفظ براهنية كبيرة وتستلزم إيجاد ممكنات للفهم والتأصيل. ومعلوم أن اضطلاع الباحث (ة) في الفلسفة في الجامعة المغربية ونجاحه في هكذا مجهود بحثي يتطلب توفره على امتلاك حد أدنى من الكفايات العلمية والمهارات العملية التي يستطيع بفضلها ركوب رحلة السؤال الفلسفي الأكاديمي بشكل دينامي عملي ومنتج. ضمن هذا السياق نظم مختبر لوغوس التواصل والفلسفة – قطب الفلسفة- التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك يوم الأربعاء 02 يوليوز 2025 بقاعة عبد الواحد خيري بنفس الكلية ذلك في إطار سلسلة “من الأطروحة إلى الكتاب” لقاء علميا تكوينيا لفائدة طلبة الدكتوراه حاول من خلاله عدد من الأساتذة والباحثين رصد بعض المنجزات الفكرية المنجزة بنفس فلسفي واستقراء شروطها المنهجية والمقاربات التي أطرت أصحابها من الإنجاز إلى إخراجها على شكل كتب قابلة للتداول و التلقي الجمعي، وذلك رغبة في تمكين الطلبة الباحثين من استلهام روح هذه التجارب قصد تمثل ممكنات مسارات مشاريعهم البحثية الخاصة على مستوى المقاربة والمنهج. ومن أجل تجاوز سردية الكتابة التقريرية اخترنا أن نتفاعل مع ما جاء في هذا اللقاء العلمي من نقاش أكاديمي عبر محاور موضوعاتية بدى أنها حركت أحاديث هذه الندوة الحوارية التي أشرف على أشغالها عبد اللطيف فتح الدين مدير المختبر المذكور وأدار حواراتها أستاذ الفلسفة بنفس الكلية نبيل فازيو وشارك في تنشيطها الأستاذين في الفلسفة كذلك إبراهيم وانزار وأنور حمادي. أولا، نجد أن استقراء بعض التجارب البحثية التي أصبح لها مكان في مشهد القراءات الفلسفية الراهنة ببلادنا قد استأثر بمساحة مهمة في أحاديث هذا اللقاء الأكاديمي، خصوصا أن تقاطع هذه المنجزات في اشتغالها على موضوع الدين والبحث في ما أنجز حول هذا الأخير من مقاربات فلسفية سواء عبر استنطاق نصوص تراثية إسلامية ومسيحية ويهودية أو من خلال تفكيك خطاب برغسون وقراءته الفلسفية الخاصة للتجربة الدينية عند الإنسان في ارتباط بمفاهيم أساسية كالعقل والروح، سمح نسبيا بإنتاج أرضية استنباط نوع المقاربة التي نهجها كل باحث في اشتغاله على هكذا موضوع (جزء من حديث لنبيل فازيو). ومن الملاحظ أن المنجز الفلسفي لأنور حمادي الموسوم ب “الدين بين العقل والأعقل في فلسفة برغسون” يعطي الانطباع حسب ما جاء في شروحات صاحب الكتاب أن دافع الاشتغال على الفلسفة البرغسونية، يأتي من كونها استطاعت تجاوز النقاشات المستهلكة في السرديات الفلسفية حول علاقات الدين بالعقل وإثبات وجود الإله الخالق من عدمه وغيرها من التيمات التي تجاوزها برغسون مفضلا الغوص في المسألة الدينية بنفس جديد روحاني حسب تعبير البعض يجعل من التجربة الدينية نفسها تبدو كأفق حيوي ومنفتح، حيث ركز برغسون على الانطلاق من محدودية قدرة عقل الإنسان في إدراك ماهية هذا الوجود بشكل يجعل الأعقل ينتج محاولات تفسير معينة، فكانت هذه الجدلية أن جعلت الإنسان كحيوان عاقل يعانق الدين رغبة في الجواب ما أمكن عن سؤال وجودي كبير هو الموت طالما أن الخطاب الديني يزيح هذا النوع من القلق الإنساني بطرحه لممكنات حياة أخرى ما بعد الموت تصير مقبولة في المنطق العقلي للإنسان حسب قراءة برغسون الفلسفية الخاصة. (تفاعلا مع جزء من مداخلة حمادي). وحقيقة لا يمكن عزل فلسفة كهذه لبرغسون عن سياق وظرفية تشكلها في مناخ لاهوتي ذي خلفية يهودية مسيحية راهن من داخله برغسون على الأقل على مستوى الخطاب على بث وتأصيل نقديات جديدة تدعو في جوهرها إلى تجاوز التمثل الجمعي للبطل الديني الخارق والقدوة المنادي إلى الفضيلة والسمو والأخلاق وجعل هذا النداء ينبعث كأنه تجربة دينية ذاتية إنسانية تجعل الممارسة الدينية في منطق برغسون قابلة للأنسة وقبول الآخر متجاوزة بذلك التمثل التقليدي للإله كأسطورة خرافية أو صورة جامدة إلى إله منفتح وباعث لمعنى الحياة. خصوصا إذا ما علمنا أن اضطلاع برغسون ودراسته لعدد من التجارب الصوفية الكونية كان عاملا مهما في دفعه نحو إنتاج ما جاء به من معاني فلسفية خاصة حول الدين كمفهوم وممارسة مثل الخلق والإبداع والمحبة والعمل مع تأكيده على الوحدوية الواضحة للعقل بمفهومه الأرسطي الحدي في تعقل وإدراك كل شيء في هذا الوجود المطبوع بالتغير وهو ما يجعل التجارب الوجودية لأي إنسان محددا رئيسيا في إنتاج المعنى والانطلاق نحوه بشكل حر إن صح التعبير. (تفاعلا مع نفس المداخلة لحمادي) في المقابل سنجد أن الباحث إبراهيم وانزار اختار عبر منجزه الفكري الموسوم ب”سؤال الدين في التراث الفلسفي العربي نماذج من اليهودية والمسيحية والإسلام” أن يتجاوز سردية الخطاب التراثي الإسلامي وأحكامه المطلقة عن الدين إلى الحفر فلسفيا في متون تراثية أخرى لأعلام وازنة في زمنيتها التاريخية كيوحنا الدمشقي وأبي الحسن العامري وموسى بن ميمون وصولا إلى الفارابي وهي نصوص أنتجت خلال الفترة الوسيطية ونطقت بقراءات غير معروفة وغير مستهلكة في الدراسات الفلسفية العربية والمغربية حول مسألة الدين من منظور فلسفي خاص وذلك قصد استجلاء قراءات تراثية جديدة تسمح برصد لماهية التفسير الفلسفي الاهوتي الذي أعطاه هؤلاء لسؤال الدين والحياة والبعث في سياق تاريخي حينها، طبع الحضارة العربية الإسلامية بطابع الإنتاج النشيط لهكذا متون فلسفية تقاطع فيها حضور سلطة القراءة الاهوتية للنص الديني بالنزعة العقلية المتساءلة. وعمليا لم يكن أمر التعرف على نصوص هؤلاء واكتشافها مثل متون موسى بن ميمون الذي لم تمنعه مرجعيته اليهودية من الاضطلاع على آراء فرق إسلامية كالمعتزلة ممكنا، لولا المجهودات التي بذلها عدد من المستشرقين الأوروبيين في ترجمة تلك المتون من لغاتها الأصلية خاصة اليونانية والعبرية إلى لغات حية أخرى (تفاعلا مع جزء من مداخلة إبراهيم وانزار). وحقيقة يجد الباحث نفسه مشدودا نوعا ما لكتلة المفاهيم الفلسفية لا نقول الجديدة وإنما الخاصة جدا والتي حاول الباحثان وانزار وحمادي أبرازها للوجود وهما ينقبان بالبحث في مسارات متنوعة ولجها فلاسفة رواد وهم يحاولون تفكيك بنية الخطاب الاهوتي وممكنات بعث بنية مفاهيمية جديدة، أما من داخل نفس الخطاب الديني النصي أو من خلال استشراف آفاق واعدة أخرى لمحاولات إدراك وفهم قضايا وجودية معينة كالموت وما بعد الموت و النظرة للإله الخالق في مجهود ربما لأنسنة المعنى بعمق أخلاقي قيمي حر. (تفاعلا مع أحاديث وانزار ولحمادي).
ثانيا، سنجد أن الكلام عن الشروط المنهجية الضرورية لإنجاح مشاريع البحث الفلسفي المطروحة حاليا في الجامعة المغربية، قد احتل بدوره مساحات مهمة في النقاش الذي عرفه هذا اللقاء خصوصا أن الإشارة كانت هنا واضحة في اعتبار أن اشتغال الباحث (ة) بالدرس والتحليل على هكذا متون فلسفية مصدرية لا يمكن أن ينجز دون أن يطرح معه تساؤلات منهجية حول قدرة الطلبة اليوم على استنطاق مثل هذه النصوص بلغاتها الأصلية علما أن هذه العملية ستكون بما لدى هذا الطالب(ة) أو ذاك من تراكم قرائي بعيدا عن أي احتمالية للانطلاق من مستوى الصفر من القراءة في مثل هذه الحالات (جزء من حديث لنبيل فازيو). ولعمري تبقى الإشكالية هنا مرتبطة بالحركة الذهنية التي تؤطر كل باحث والتي تجعل من شبه المستحيل فصل الذاتي عن الموضوعي في أي عملية تنقيب بحثي فلسفي كيف ما كان، والانطلاق من المحصول القرائي والتجارب الذاتية أمر محمود ولابد منه لأنه أداة أولية إن صح التعبير تسهل بدايات الرحلة البحثية في لحظة ميلاد إرهاصاتها الأولى، مع العلم أن اشتغال الباحث على هذا المتن الفلسفي أو ذاك لن يعني في أحسن الأحوال إلا محاولة لإنتاج معنى وانتصارا لشكل من أشكال القراءة التي يمكن أن تتقاطع وتتكامل مع قراءات أخرى لباحثين آخرين حول نفس النص أو أن تختلف وتنفصل عنها نسبيا ويكون الحاصل هو إنتاج قراءات تقترب من معنى النص الأصلي أو تبتعد عن ما أراد الكاتب الفيلسوف نفسه قوله، كما في مثال مفهوم الديمومة عند برغسون الذي أول عند القارىء العربي أنه إشارة للإله المطلق الدائم مع العلم أن له معنى آخر يعبر عن مرجعية فلسفية مغايرة انطلق منها برغسون في الأصل بشكل يستلزم مجهودا قويا من طرف الباحث الدارس يجعله قادرا على توليد مسافة قراءة نشيطة نسبيا تجعله يناقش ويحاور مضمون هذا المتن أو ذاك بعمق موضوعي نسبي دون السقوط في شراك سلطة جمالية اللغة والأفكار. أما إن كان الأمر متعلق كما في الحالات المشار إليها سلفا فالاشتغال على متون فلسفية موضوعها هو الدين يطرح صعوبة أكبر، لأن الباحث(ة) سيدرس نصا غير مجرد ولا يمكن عزله عن المرجعية الدينية لصاحبه (جزء من مداخلة أنور لحمادي). والحالة هذه يمكن إسقاطها على حالات أخرى ربما خصوصا إذا ما تعلق الأمر هذه المرة باشتغال الباحثين والباحثات على متون فلسفية تراثية مخطوطة حيث يصبح المجهود موزعا بين مسارين اثنين متداخلين هما تحقيق المخطوط المعني لجعله قابلا بأن يمنحنا الحد الأدنى من الفهم والدراسة. وهو ما يجعلنا نتسائل عن الحدود الفاصلة التي يمكن أن نميزها في هذا المستوى من البحث؟ (جزء من مداخلة نبيل فازيو). ويبدو أن المعطى الذي ينبغي الوقوف عليه في هذا الباب هو ضرورة تعاقد الباحث مع القارىء عبر ما تمنحه مساحات الهوامش من إمكانية الإحالة على المخطوط الأصلي في حال ظهر أن هناك ارتباك منطقي نوعا ما في بين ما هو مكتوب في متن المخطوط الأصلي ومضمون النص المحقق مع الذهاب بعيدا في مسألة إدراج المتن الأصلي المشتغل عليه كاملا في إحالة أو ملحق خاص ليبقى القارىء على بينة من ما نحن بصدد دراسته وتفكيكه (جزء من حديث لإبراهيم وانزار). رغم أنه لا يجب أن ننسى أن اشتغال الباحث(ة) على نصوص مكتوبة بلغة أجنبية غير عربية سيظل يطرح معه هو الآخر دائما إشكالات منهجية بين مهارة الباحث وما تمنحه النصوص المترجمة بلسان أصحابها من قدرة الحفاظ وتبليغ المعنى الأصلي، وحاجة الباحث(ة) هنا إلى البحث في تلك المتون بلغاتها الأصلية. والتي يبدو أنها السبيل الكفيل باكتشاف النص الفلسفي المقصود من الداخل اكتشافا جديدا ومغايرا على ما تقدمه ترجمة هنا أو هناك، خصوصا أن عددا من المفاهيم كالفكر والتصوف والحدس والعقل سواء في معناه الطبيعي الحيوي أو في معناه الأداتي كما جاء في الكتابة البرغسونية مثلا، تختلف نسبيا عن ما هو موجود في المعاجم اللغوية العربية وترجمتها في الغالب تأتي محملة بما هو موجود في المخزون الفكري الثقافي للذات العربية للمترجم (جزء من حديث حواري لنبيل فازيو وأنور لحمادي). في المقابل فإن أي حديث عن منهج موضوع سلفا قبل الشروع في عملية البحث، يعد غير مقبول عمليا طالما أن ماهية الموضوع هي التي تولد المنهج الذي سيظهر هيرمونطيقيا داخل العمل المنجز، بل حتى الشرط الفليلوجي ما هو إلا مدخل لإنجاح عملية القراءة وتجاوز بعض البياضات داخل نصوص تراثية ذات طبيعة فلسفية وليس غاية في حد ذاته، لأن الانغماس فيها سينحرف لا محالة بالبحث نفسه عن وظيفيته كتنقيب وتحليل وتفسير للقضايا الفلسفية المطروحة داخل هذه النصوص. مع العلم أن وضوح الإشكالية في البحث والالتزام بانجاز هذا الأخير وفق أجندة زمنية مضبوطة ولائحة مراجع ومصادر محدودة تسمح بابتعاد الباحث عن الانزلاق نحو قراءات لانهائية أو السقوط في وهم أن البحث المنجز سيجيب على كل الأسئلة الممكنة، إلى جانب ضرورة توضيح المنطلقات والمدارات البحثية الممكن المرور منها في مواضيع بعينها لأن التمثلات والمرجعيات تفرض سلطتها في هذا الباب بشكل أكيد، هي شروط منهجية أساسية لا يمكن تجاوزها لإنجاح أي مشروع بحثي فلسفي بما تسمح به من بروز روح التفلسف لهذا الباحث أو ذاك خصوصا إذا ما اتجه الباحثون الجدد ما أمكن إلى الاشتغال على قضايا فلسفية موضوعاتية بعيدا عن تقليدانية الاشتغال على فلسفة فيلسوف معين بشكل سيسمح برؤية أعمال جديدة بشرط أن يتم احترام عرف إدراج المعجم الفلسفي المتحصل عليه كنتيجة للبحث في أواخر صفحات هذا الأخير (جزء من حديث لإبراهيم وانزار وأنور لحمادي وعبد اللطيف فتح الدين).
ثالثا، نجد أن نقاش شروط تحويل الأطروحة إلى كتاب قابل للقراءة على نطاق واسع وسط المجتمع النصي على حد تعبير رولان بارت، حظي هو الآخر بمساحة نقاش داخل هذا اللقاء، حيث تم التأكيد أن الوصول إلى هذه العتبة من الإنتاج لن يتحقق دون وجود أرضية بناء وهي بحث أكاديمي جاد قابل للمناقشة حين تقديمه كأطروحة أمام لجنة علمية ويكون المنجز بعنوان علمي أكاديمي هو الآخر يؤشر على علمية البحث. وتكون لحظة المناقشة هاته مناسبة بالنسبة للباحث(ة) لكي يحاور بحثه على مستوى المضمون والشكل بما يمنحه من فرصة تنزيل ملاحظات أعضاء اللجنة العلمية، آنذاك أمكننا الكلام عن أطروحة جامعية قابلة لأن تولد من جديد على شكل كتاب للتداول الجمعي وسط عموم القراء. وهي لحظة بطبيعة الحال ستتحكم فيها شروط أخرى ذات معنى اقتصادي تجاري متعلق بتصور دار النشر المحتضنة للعمل لشكل إخراج الكتاب خاصة على مستوى عنوان جاذب لبيع العمل.(جزء من حديث لإبراهيم وانزار). لا ننسى أن نهاية أشغال هذا اليوم التكويني عرفت مشاركة عدد من الباحثين والباحثات بمداخلات أبانت عن تفاعل نوعي مع ما جاء في الحوارية الفكرية التي جمعت الأساتذة المحاضرين، وهي في الإجمال حاولت أن تطرح للنقاش ماهية بعض القضايا الفلسفية كتصور الإله الخالق في الديانات الإبراهيمية على المستوى اللسني الخطابي بما فيها الدين الحنيف (الإسلام) وضرورة الانتباه إلى أن عدد من المصطلحات في متون فلسفية عديدة لا يمكن الاقتراب من معانيها إلا بوضعها في السياق النسقي الخاص بالفيلسوف المقصود المحكوم في إنتاجه هو الآخر بسياقه الوجودي التاريخي، إلى جانب نقاش البعض حقيقة قدرة النصوص الفلسفية المؤسسة (بكسر وشد السين الأولى) على منحنا فعلا مساحة لقراءة ما بين سطور متونها إلى جانب طبيعة حدود التماس والتلاقي بين المفهوم والمصطلح في الكتابة الفلسفية على المستوى الإجرائي، حيث أكد وانزار هنا أن المفهوم هو نتاج مساحة حرة للتفكير يتم تصريفها والتعبير عنها باللغة أما الحديث عن تفكيك أي متن فلسفي لن يستقيم دون وجود عمق في هذا النص نفسه يدفعنا فعليا إلى الرغبة في التنقيب الفلسفي داخله حسب ما جاء في نفس حوارية وانزار مع أحد المتدخلين. ويبقى من الأهمية بمكان تثمين مثل هذه اللقاءات التي يمكن أن ترسم عمليا للباحثين والباحثات في الفلسفة آفاقا فكرية أرحب خصوصا إذا ما تم الانتباه إلى ضرورة الذهاب بعيدا في توسيع نطاق التجربة لتشمل فتح حواريات متكاملة ومنتجة مع باقي أنساق التفكير في العلوم الإنسانية لتجنب السقوط في تأثير سلطة التفكير الفلسفي لوحده النسبي بطبيعته ولنمنح المجال لتوليد أشكال وأجناس ممكنة من التفكير تستطيع مساءلة القضايا الراهنة خاصة في ما يتعلق بالخطاب الديني وممكنات التنقيب من جديد في متن الذكر الحكيم (القرآن) وما يولده هذا الأخير من آفاق ابستمولوجية لإنهائية إلى جانب قضايا الهوية والتنمية والآخر ونقد السرديات التراثية وغيرها من المواضيع بمقاربة تؤمن بأن السؤال الفلسفي مهما بلغت حدته وعموديته ما هو إلا محاولة حرة نسبيا لفهم شيء من المعنى المعقد للإنسان والوجود الذي يصعب عمليا إن لم نقل يستحيل تعقل كليته.