الألباب المغربية/ أحمد الزوبيري
مدينة آسفي.. تلك المدينة الساحلية التي تعرف بجمالها وتاريخها العريق، أصبحت اليوم تشهد ظاهرة مقلقة تتمثل في تنامي أعداد القاصرين الذين يمتهنون التسول في شوارعها.
مشهد الأطفال الصغار وهم يجوبون الطرقات بأيديهم الممتدة طلباً للمال بات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في المدينة، ما يطرح العديد من الأسئلة حول دور السلطات المحلية وجمعيات حماية الطفولة في مواجهة هذه الظاهرة.
واقع مؤلم: في شوارع آسفي، يتجلى المشهد بوضوح، أطفال في سن الزهور، بعضهم لم يتجاوز العاشرة، يقفون عند إشارات المرور، أمام المقاهي، وفي الأسواق، يطلبون المساعدة من المارة.
كورنيش آموني وكورنيش سيدي بوزيد، أصبحت هي الأخرى نقاط تجمع لهؤلاء الأطفال، حيث يسعى الصغار إلى استدرار عطف السياح والمقيمين.
قصصهم متنوعة، لكن القاسم المشترك بينها هو الفقر والعوز الذي دفع بهم إلى هذه الحياة القاسية. يقول أحد المارة: “يؤلمني رؤية هؤلاء الأطفال في الشوارع، ينبغي أن يكونوا في المدارس، يلعبون ويتعلمون، وليسوا هنا يطلبون الصدقة”.
أسباب الظاهرة: تعود ظاهرة تسول القاصرين في آسفي إلى عدة أسباب، منها:
* الفقر والتهميش: يعتبر الفقر العامل الأساسي الذي يدفع الأطفال إلى الشوارع، كثير من الأسر تعاني من أوضاع اقتصادية مزرية تجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات أبنائها، ما يضطر الأطفال للجوء إلى التسول للمساهمة في دخل الأسرة.
* غياب الوعي والتعليم: نقص الوعي بأهمية التعليم وغياب الفرص التعليمية الملائمة يلعب دورًا كبيرًا في تسرب الأطفال من المدارس واتجاههم نحو الشوارع.
* تفكك الأسرة: الأوضاع الأسرية غير المستقرة، بما في ذلك حالات الطلاق أو فقدان أحد الوالدين، تسهم في تفاقم المشكلة.
غياب التدخل الرسمي: على الرغم من تفاقم الظاهرة، إلا أن التدخل الرسمي من قبل السلطات المحلية يكاد يكون منعدماً. لا توجد برامج فعالة تستهدف معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة أو تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الأطفال. يبقى السؤال الملح: أين دور السلطات في حماية هؤلاء القاصرين وتوفير بيئة آمنة لهم؟
دور الجمعيات المدنية: رغم وجود بعض الجمعيات المدنية في آسفي، إلا أن دورها في مواجهة ظاهرة تسول القاصرين يظل محدودًا. ضعف الموارد والإمكانات يجعلها غير قادرة على تنفيذ برامج واسعة النطاق تستهدف حماية الأطفال وإعادة دمجهم في المجتمع.
الحاجة إلى تدخل عاجل: تنامي ظاهرة تسول القاصرين في آسفي، خاصة في كورنيش آموني وكورنيش سيدي بوزيد، يتطلب تدخلاً عاجلاً من جميع الجهات المعنية. يجب على السلطات المحلية وجمعيات حماية الطفولة العمل معاً لوضع خطة شاملة لمكافحة الظاهرة. يتضمن ذلك:
* توفير الدعم الاقتصادي للأسر الفقيرة: برامج الدعم المالي والتأهيل المهني يمكن أن تساعد الأسر في تحسين أوضاعها الاقتصادية، مما يحد من اضطرار الأطفال للتسول.
* تعزيز التعليم: توفير فرص تعليمية ملائمة ومجانية للأطفال، بالإضافة إلى حملات توعية بأهمية التعليم.
* دعم الجمعيات المحلية: تمويل الجمعيات وتمكينها من تنفيذ برامج حماية وإعادة تأهيل القاصرين.
* التشريعات الصارمة: تطبيق قوانين صارمة ضد استغلال الأطفال في التسول، مع توفير آليات لحماية هؤلاء الأطفال وإعادة دمجهم في المجتمع.
ظاهرة تسول القاصرين في مدينة آسفي ليست مجرد مشكلة اجتماعية، بل هي مؤشر على أزمات أعمق تتعلق بالفقر والتهميش وغياب الدعم المجتمعي. إن حماية هؤلاء الأطفال من الشوارع مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا بين السلطات والجمعيات والأفراد. علينا جميعًا أن نتحرك لإنقاذ مستقبل هؤلاء الأطفال، وتوفير حياة كريمة وآمنة لهم.