الألباب المغربية/ الحجوي محمد
في قلب جغرافيا المملكة الغنية بتلابيب تراثها العريق، تستقبل جماعة صخور الرحامنة يومها الثاني من مهرجان الطلبة والرمى والخيالة، بحلة بهية وحضور لافت، يجسد أعمق معاني التواصل بين ماضي الأجداد الأشم وحاضر الأبناء الواعي. حدثٌ لا يكتفي باستحضار أمجاد الماضي، بل يؤكد بقوة على استمراريته حيًا في ضمير الأمة ونبضها اليومي.
وشكّل حضور عزيز بوينيان، عامل إقليم الرحامنة، مرفوقًا بوفد رفيع المستوى، محطة مفصلية في فقرات اليوم الثاني. لم يكن هذا الحضور مجبراً بروتوكولياً عادياً، بل تجسيداً ملموساً للدعم المعنوي والرعاية الرسمية لهذا الموروث الثقافي الأصيل. إن وقوع هذه التظاهرة تحت نظر المسؤول الأول بالإقليم يضفي عليها رمزية خاصة، ويعلي من قيمتها الوطنية، مؤكداً أن حماية هذا التراث ليست مسؤولية المجتمع المحلي فحسب، بل هي جزء من استراتيجية مؤسسية تدرك أن هوية الأمم تُبنى على تماسك نسيجها الثقافي والروحي.
وواصل المهرجان، في نسخته الحالية، ترسيخ مكانته كواحد من أبرز التظاهرات التراثية بالإقليم، من خلال برنامج حافل يجمع بين الأصالة والإبداع. فلم تكن حلباته مجرد ساحات للعرض، بل تحولت إلى فضاءات حية تروي حكايات الفروسية والشجاعة، عبر العروض الباهرة لفرق التبوريدة، حيث انسجام إيقاع حوافر الخيل مع دقات البنادق في لوحة أدائية مبهرة، تختزل روح الجماعة والإتقان والشهامة.
ولم يقتصر المهرجان على فنون الفروسية فقط، بل امتد ليشمل فقرات فنية متنوعة تثري المشهد الثقافي، وتستقطب شرائح واسعة من الجمهور الذي توافد بأعداد كبيرة، معبراً عن ارتباطه الوثيق بثقافته وهويته. هذا الحضور الجماهيري الغفير ليس سوى دليل دامغ على أن الجذور العميقة لا تقتلعها رياح العولمة، وأن الشعب الذي يحتفل بتراثه هو شعب واثق من نفسه، متطلع نحو المستقبل دون أن يغفل عن جذوره التي تمده بالقوة.
وهكذا، يتجاوز مهرجان الطلبة والرمى والخيالة كونه حدثاً موسمياً ليكون مناسبة وطنية للتذكير بحضارة عريقة، وجسراً يتدفق عبره عبق التاريخ ليعطر حاضر الأمة ويغذي مستقبلها، في دورة متجددة من العطاء تبدأ من صخور الرحامنة لتعانق كل ربوع المملكة المغربية الأبية.