الألباب المغربية/ الحجوي محمد
في زوايا الأسواق الشعبية، بين أضواء النيون الباهتة وضجيج الباعة، تقف ربات البيوت وأرباب الأسر أمام رفوف الدواجن وكأنهن في حِساب عسير. العين تقيس، واليد تتحسس المحفظة، والقلب يتنازعه قلق يومي جديد: دجاجة يصل ثمنها اليوم إلى خمسة وعشرين درهماً. هذا الرقم الذي يتردد صداه كجرس إنذار، لم يعد مجرد سعر سلعة، بل تحول إلى مقياس للضائقة المعيشية التي تجتاح البيوت.
هذه الدجاجة، التي كانت لسنوات طويلة رمزاً للوجبة المتواضعة التي يمكن أن تجمع الأسرة حول مائدة واحدة، تتحول ببطء إلى منتج شبه فاخر في نظر الكثيرين. لقد تجاوزت قيمتها كونها مجرد مصدر بروتيني، لتصبح مؤشراً اقتصادياً صارخاً على اتساع الفجوة بين الدخل المتواضع وأسعار المواد الأساسية التي تتجه إلى عنان السماء دون رادع واضح.
الصدمة لا تكمن في الرقم نفسه فقط، بل في وتيرة الارتفاع التي لم تأتِ تدريجياً لتُهيئ الأسر، بل جاءت قفزاتها مخيفة وسريعة. فما كان يُشترى بالأمس بقيمة معقولة، أصبح اليوم حلماً يصعب اقتناصه. هذا الارتفاع الجنوني ليس من صنع فراغ، بل هو محصلة لعوامل معقدة تتعلق بارتفاع تكاليف الأعلاف، وسلاسل التوريد الطويلة، وتأثيرات التضخم العالمي، والتي تنعكس في النهاية على المواطن البسيط الذي يجد نفسه عاجزاً في مواجهة موجة غلاء لا تعرف الرحمة.
القلق الحقيقي يتجاوز سعر الدجاجة ليطال القيمة الغذائية للأسر، خاصة تلك التي لديها أطفال في سن النمو. فتراجع القدرة الشرائية يعني بالضرورة تراجعاً في جودة ونوعية الغذاء، مما يهدد بتبعات صحية واجتماعية بعيدة المدى. السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: إذا كان سعر أبسط أنواع اللحوم البيضاء يصل إلى هذا الحد، فكيف تكون الحال مع اللحوم الحمراء والأسماك والفواكه؟
المشهد ليس بائساً بالكامل، لكنه يتطلب وقفة جادة. وقفة من المسؤولين لمراقبة هذه الأسعار والتدخل لحماية القوة الشرائية للمواطن، ووقفة من التجار لتذكيرهم بأن هناك مسؤولية اجتماعية تسبق هامش الربح، وأخيراً وقفة من الأسر لإعادة ترتيب أولوياتها والبحث عن بدائل غذائية ذكية دون المساس بالقيمة الغذائية.
في النهاية، تلك الدجاجة التي تساوي خمسة وعشرين درهماً هي أكثر من مجرد طعام؛ إنها رسالة واضحة وصادمة عن وضع اقتصادي يحتاج إلى حلول عاجلة قبل أن تتحول مائدة الطعام من مصدر للقوة والالتئام إلى مصدر للقلق والتفكك.