الألباب المغربية/ الحسين محامد
منذ سنة 2021 يعيش المغاربة انهيارًا كاملًا في قطاع الصحة العمومية، إلى درجة أصبح معها المرضى يفرون من المستشفيات العمومية نحو المصحات الخاصة، التي لا يدخلها إلا من يملك المال. هذا التراجع لم يكن صدفة ولا قضاءً وقدرًا، بل هو نتيجة سياسة واضحة تفكيك العام لصالح الخواص. حكومة يقودها حزب الأحرار رفعت شعار الدولة الاجتماعية، لكنها في الواقع أهدت صحة المواطن المغربي إلى لوبيات المصحات والدواء.
منذ نشأته، كان حزب الأحرار حاضرًا في كل الحكومات المتعاقبة، حقائب وزارية حيوية تعاقب عليها وزراؤه، الفلاحة، الاقتصاد، الصحة، التعليم… لكن ماذا قدّم؟ لا شيء. في حكومة العثماني، كانت مفاتيح أهم الوزارات بين أيديه، ورغم ذلك لم يسجّل المغاربة أي تغيير يلمس حياتهم اليومية، ومع رئاسته للحكومة الحالية، ازداد الوضع سوءًا، وكأن التجارب السابقة لم تُعلّم الحزب شيئًا.
ولعلّ أول إصلاح قدّمته هذه الحكومة كان قرارها الشهير بفرض شرط السن في أول مباراة للتعليم في عهده، قرار بدا منذ البداية إقصائيًا أكثر مما هو إصلاحي، إذ حرم آلاف الكفاءات الوطنية من فرصة المساهمة في مجال التدريس، وضيّع على المدرسة العمومية طاقات كان يمكن أن تغيّر واقعها. واليوم، بعد مرور ثلاث سنوات، بدأت نتائج هذا الاختيار تظهر على أرض الواقع، خصاص في الأطر، وتراجع في جودة التكوين، ومزيد من الأزمات في قطاع التربية.
والأدهى من ذلك أن الوزارة، وبعد فشل مباريات التوظيف في بعض التخصصات، لجأت إلى تنظيم مباريات استثنائية خاصة بالفرنسية والرياضيات وحتى الأمازيغية، نتيجة ضعف نسبة الناجحين في المباريات العادية. كما تغيّرت شروط هذه التخصصات أكثر من مرة فقط من أجل رفع نسب النجاح، في خطوة تُظهر الارتباك الكبير في التدبير، وغياب رؤية واضحة لإصلاح المنظومة التعليمية.
أما في مجال التشغيل، فقد رفعت الحكومة شعار”برنامج فرصة” باعتباره الحل السحري لبطالة الشباب. غير أن الواقع أثبت العكس، فمعظم المستفيدين من هذا البرنامج يعيشون اليوم تحت ضغط البنوك التي تطالبهم بسداد أقساط قروض لم تنتج عنها مشاريع ناجحة. أغلب المبادرات المدعومة فشلت لأنها لم تبنَ على دراسة حقيقية ولا على مرافقة جدية، بل على سياسة مرتجلة لا تحمل من الكفاءة إلا الاسم. وهكذا تحوّل برنامج فرصة من أمل للشباب إلى عبء يطاردهم بالديون.
رفع الحزب في حملاته الانتخابية شعارات “فرص الشغل”، “التعليم الجيد”، “الصحة للجميع”. لكن سرعان ما تبيّن أن الأمر لا يعدو أن يكون تسويقًا انتخابيًا فارغًا. لا مناصب شغل حقيقية، لا تعليم في مستوى تطلعات الأسر، ولا مستشفيات تليق بالمغاربة. وبدل مواجهة الواقع، يلوذ قادة الحزب بالصمت، وكأن الشعب لا يرى ولا يسمع.
إنها تجربة سياسية فاشلة بكل المقاييس. فشل في الرؤية، فشل في التدبير، وفشل في إقناع المواطن بأن هذا الحزب قادر على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل. بل يمكن القول إن تجربة حزب الأحرار ستُدرّس في المدارس يومًا ما، ليس كنموذج إصلاحي ناجح، بل كدرس بليغ في كيف تُهدر الفرص، وكيف تتحول الوعود الانتخابية إلى كوابيس سياسية.