عزيز لعويسي
المتأمل للمكاسب الوازنة التي حصدتها الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، خاصة منذ الاعتراف الامريكي “الترامبي” بمغربية الصحراء، لابد له أن يستحضر أن ما تحقق ويتحقق من فتوحات دبلوماسية مبينة داعمة لسيادة المغرب على كافة ترابه، ما كان له أن يتحقق لولا رؤية حكيمة ومتبصرة لملك، جعل من ملف الصحراء تلك ” النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، وذاك “المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، ولولا وجود عمل رصين تقوم به وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وما يرتبط بها من سفارات وقنصليات مغربية معتمدة بعدد من عواصم ومدن العالم؛
سفارات وقنصليات، وعلاوة على أدوارها ذات الصلة بتقديم “الخدمة الإدارية القنصلية” لمغاربة العالم، وتيسير سبل اندماجهم في بلدان الإقامة، فهي تتموقع، بل لابد أن تتموقع في خط الجبهة الأمامية، في إطار ما تخوضه الدبلوماسية المغربية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، من نزالات دبلوماسية مستدامة، دفاعا عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، وترافعا عن المصالح العليا للوطن وقضاياه المصيرية، وبين هذا وذاك، التصدي بشكل استبقائي وحازم لمختلف دسائس ومناورات خصوم وأعداد الوطن، عبر القدرة على الوصول إلى المعلومة والاستثمار الأمثل لها؛
مهمات وتدخلات دبلوماسية على جانب كبير من الأهمية والتأثير، تقتضي سفراء وقناصل وموظفين وأعوان، على جانب كبير من المسؤولية والتضحية ونكران الذات، يتملكون الرؤية الدبلوماسية الثاقبة، والخبرة الواسعة والكفاءة العالية، والإلمامالكبير بشؤون وخبايا المهجر، والقدرة الهائلة على التواصل واتخاذ المبادرات المبدعة والخلاقة، التي من شأنها خدمة ما تتطلع إليه المملكة، من إشعاع دولي، وما تصبو إليه من مد لجسور الصداقة والتعاون والتشارك، ليس فقط، من باب الدفاع عن القضية المغربية الأولى، بل وخدمة ما تتطلع إليه من تقوية للقدرات الذاتية، ومن ارتقاء اقتصادي وتنموي، يكرس المغرب “قوة إقليمية” لها حضورها وتأثيرها الوازن في محيطها العربي وعمقها الإفريقي، في سياق جيوسياسي دولي موسوم بالقلق والشك والتوجس، لا يقبل إلا لغة التحالفات والشراكات والمصالح المتبادلة؛
وعليه، واستحضارا لجسامة المهام والمسؤوليات المواطنة الملقاة على عاتق مختلف البعثات الدبلوماسية المغربية عبر العالم، واعتبارا للتحديات المرتبطة بقضية الوحدة الترابية، وبمصالح الوطن وقضاياه المصيرية والاستراتيجية، من اللازم توجيه البوصلة نحو هذه البعثات، التي لابد من إحاطتها بما يلزم من وسائل الدعم والتحفيز، وإخضاع أدائها لسلطة التقييم والمسؤولية والمحاسبة، ومنحها هوامش من الحرية، للتحرك واتخاذ كل المبادرات الدبلوماسية (اتفاقيات، شراكات، معارض، ندوات… )، التي ترى فيه خدمة للوطن وإسهاما في إشعاعه الدولي؛
وبما أن “الرأسمال البشري” هو الذي يصنع الفارق الدبلوماسي، وجب إسناد المناصب والمهام والمسؤوليات الدبلوماسية، وفق معايير “الكفاءة العلمية” و”الخبرة والدراية بشؤون مغاربة المهجر” و”المسؤولية” و”الاستقامة” و”المواطنة الحقة”، و”القدرة على التنظيم والتواصل والإشعاع” و”الجرأة في اتخاذ القرارات والمبادرات”، بعيدا كل البعد، عن معايير المحاباة” و”الموالاة” و”الترضيات”، وبمعزل عن “الحسابات السياسوية الضيقة”، التي لابد من الإقلاع عنها – إذا ما كانت هذه الممارسات لازالت حاضرة -، لأن مغرب اليوم، لن يستقيم عوده إلا إذا منح الفرص إلى الكفاءات المواطنة الحقيقية، القادرة على إحداث التغيير الإيجابي، ومواكبة ما يقوده جلالة الملك محمد السادس، من مسيرة تنموية مفتوحة، لا يمكن البتة، كسب رهاناتها، إلا بالاستثمار الأمثل للكفاءات المغربية في الداخل كما في الخارج؛
ولايمكن إثارة موضوع البعثات الدبلوماسية المغربية المعتمدة بالخارج، دون استحضار عدد من الكفاءات المتواجدة في أوساط مغاربة العالم، الذي راكموا خبرات وتجارب كثيرة داخل بلدان المهجر، في حقول ومجالات علمية وأكاديمية ودبلوماسية واقتصادية وإعلامية وفنية وإبداعية، وباتوا أكثر من غيرهم، على علم ودراية، بشؤون وخبايا الهجرة، وعلى معرفة واسعة بالواقع السياسي والاقتصادي والتاريخي والثقافي للبلدان التي يقيمون بها،وبعضهم يمارس في عدد من سفارات وقنصليات المملكة بالخارج في إطار “عقود عمل” لابد أن تحضر فيها بصمات “التثمين” و”التحفيز” و”الاعتراف” و”التقدير”؛
وهذه الكفاءات المغربية المهاجرة، واستحضارا للتحديات الدبلوماسية الراهنة، وانسجاما وأهداف ومقاصد التعليمات والتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، الذي طالما نادى بالنهوض بأوضاع الجالية، وتيسير سبل ارتباطها بالوطن الأم، بات من الضروري، التنقيب عنها واستقطابها، وتمكينها من الدعم والتحفيز اللازمين، لتكون قيمة إضافية للدبلوماسية المغربية وداعمة لها، ومحققة لأهدافها وتوجهاتها الاستراتيجية، ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع، لابد لسفارات وقنصليات المملكة، أن تضع “خدمة مغارب العالم ” في صلب أولوياتها واهتماماتها، عبر الحرص المستدام على مد جسور التواصل الفعال معها، وتجويد الخدمات القنصلية المقدمة لها،وهذا أقل ما يمكن أن يقدم لجالية، ظلت على الدوام، وفية كل الوفاء لحب الوطن وعاشقة كل العشق لترابه…