الألباب المغربية – محمد خلاف
من الحمق والبلادة في آن أن يراهن المواطن بمدن المغرب السفلى على العديد من الطبقات، لأنها أثبتت بالملموس والأدلة والبراهين القاطعة، أنها غارقة في الفساد والنهب وهي مصابة “بمرض” نخر عظامها وحجّر ضمائرها ومحا إنسانيتها، وتحوّل بفعل الزمن الرديء الذي تحكّمت فيه بالمدينة ، إلى نهج تأصّل في عقول مكوّناتها ومنظومتها قديمها وحديثها، وتحكّم في سلوكياتها وفي “إدارتها” لشؤون المدن السفلى فقط بما يخدم مصالحها وتوجهاتها، ويحمي مكتسباتها وحصصها ونفوذها ، ويراكم من ثرواتها المالية التي سرقتها على مدى سنين من مقدرات الدولة ومواردها وخزينتها وأموال الشعب، وتهريبها خلسة أو علناً، دون أيّ اعتبار لحاضر المدن ومستقبلها، وحتى لمصيرها المعلق على حبل تقاسم المنافع والحصص والمواقع.
ومن بعد ذلك تطلق هذه الطبقات العنان لاحتيالها وألاعيبها ووعودها ونفاقها الذي لا نهاية له إلا بإسقاطها، وكتابة نهايتها المحتومة عاجلاً ام آجلاً، والتي يبدو من خلال المعطيات التي تطفو على السطح، أنها مؤجلة ودونها عقبات كثيرة، خاصة انّ هذه الطبقة تعلم جيداً، أنها وحدها من يكتب نهايتها التي ترغب فيها ولم يحن موعدها بعد، وهي تعمل مجتمعة وبالتكافل والتضامن على قاعدة، “أنا وأخي على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب”.
والمواطن المقهور وحده من يدفع الأثمان الباهظة، حيث تسرق حقوقه وأمواله وأرزاقه في وضح النهار، فيما هو نائم نومة أهل الكهف، صامت ويتلوّى من الفقر والتهميش، ويئنّ من الألم والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال، تاركاً المسرح لطبقات يلعبون وحدهم بمصير مدينة يراكمون الثروات من النصب والاحتيال والجشع والتلاعب في ميادين متعددة بالمدينة سنأتي على تفصيلها لاحقا، من دون حسيب أو رقيب، ومن دون ملاحقات أمنية أو قضائية ومحاسبة… حتى أصبحوا “ديوكاً” في مناطقهم وحاراتهم وعلى مزابلهم، يتحكّمون وينهبون ويصدرون أحكامهم الخاصة، ويتقاسمون كلّ صغيرة وكبيرة في هذه المدن، والتي لا قيمة فيها للمواطنين الذين لا دور لهم ولا رأي، وليس أمامهم سوى الرضى والقبول بما آلت إليه أحوالهم في السكن والرياضة والترفيه والشغل و…..رغماً عنهم، ومن لا تعجبه معيشته، إما أن يرحل عبر قوارب الموت أو يموت جوعاً وقهراً وظلماً.
قيل لفرعون يوماً “من فرعنك، قال لم أجد أحداً يردعني أو يصدّني”، وهذا ما شجع “فراعنة” بعض الطبقات بالمدينة للمضيّ بسياساتها ومناوراتها وضروبها في الاحتيال واللعب على المواطن، وفي اصطناع الأزمات الوهمية وافتعال الأحداث الشكلية، ليس من أجل مصلحة المدن، بل من أجل مصالح هذه الطبقة وديمومتها والتجديد لنفسها، ولنيل “شرف”حصولها على حصتها في مواقع عديدة خدمة لها ولأزلامها…
في مدننا أحسن ما يمكنه أن يقال عنها، أن رحِم الفسادِ مازال ولوداً، ورحِم الإصلاحِ مازال بكرا لم يُمس.
يقول المهاتما غاندي: “كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن”، كنا ندّعي ونزعم أنّ المدن تنتظر إجراء الانتخابات الجماعية ليقول المواطن كلمته ويحسن اختياره، لينتقم من بعض الطبقات التي أفقرته وجوّعته وأذلته وهجّرته، وربما يغتنم فرصة هذا الاستحقاق، التي قد تكون الأخيرة لإسقاط هذه الطبقات وإخراجها إلى الأبد، كما اعتقد كثيرون، وتبيّن أنّ الأمر صعب بل ومستحيل لسببين، أولهما أنّ هذا المواطن أو معظمه لا يزال غارقاً في وحول القبيلة والعار و”حشومة”، و(الكاميلة) وما زالت الشعارات والعناوين البراقة تبهره وتخدّره وتفعل فعلها فيه، حتى رمقه الأخير، والسبب الثاني، يكمن في المرشحين أنفسهم الذين بحثوا جدياً عن إيجاد التبريرات والأسباب للاستمرار، خاصة أنها طبقة ضليعة بالممارسات الانتخابية فوق العادة لتحقيق حلمها ومصلحتها بالتأجيل، وإنْ لم يحصل، فإنها ستلجأ إلى الخطة البديلة، وهي طي صفحات خلافاتها وحبك تحالفاتها الانتخابية، لمواجهة أية حالة انتخابية اعتراضية قد تزيد الحمولة والضغط عليها، وتعرقل إعادة إنتاج نفسها، وبذلك تقضي على حلم التغيير إذا ما كان متوفراً…وذاك ما كان.
يقول نيلسون مانديلا: “الفاسدون لن يبنوا وطناً، إنما هم يبنون أنفسهم ويفسدون أوطانهم”.
تحت سماء مدائن لوثها الفساد والتكالب، ما نوع المخلوقات التي يمكن أن تتنفس وتتكاثر؟ هل البقاء للأكثر فسادا؟ أم أن الفساد للأكثر بقاء؟.