الألباب المغربية/ ميمونة داهي
تحولت أروقة المجلس البلدي للقنيطرة إلى ساحة صراع لا تدور رحاه حول المشاريع التنموية أو الخطط المستقبلية، بل وصل إلى حد أن عقد دورة قانونية هو رفاهية سياسية وإنجاز استثنائي. الأزمة لم تعد مجرد خلاف سياسي تقليدي بين المعارضة والأغلبية، بل تجاوزها إلى خلل أعمق في البنية الديمقراطية المحلية، حيث أصبح التعطيل وسيلة تفاوض، والخلافات الداخلية للأغلبية عقبة أمام أي محاولة لتسيير الشأن العام.
في العادة، تُعرف المعارضة بأنها الجهة التي تقف في وجه الأغلبية، تناقش، تنتقد، وربما تعرقل إذا لزم الأمر، لكن في حالة القنيطرة، المفارقة تكمن في أن بعض مكونات الأغلبية نفسها هي من تتسبب في هذا الشلل، عبر تحالفات خفية ومناورات تهدف إلى إسقاط النصاب القانوني.
هذه الممارسات، التي وصفها البعض بأنها خروج عن روح المسؤولية السياسية، تؤكد أن المصالح الشخصية والولاءات الظرفية باتت أقوى من الالتزامات الحزبية، وأن خدمة المدينة أصبحت في آخر أولويات المتنازعين.
المثير في هذه الأزمة ليس فقط تعثر المجلس في أداء دوره، بل غياب أي نقاش جاد حول قضايا المدينة الحقيقية. بدل أن ينشغل المجلس بتحسين البنية التحتية أو تطوير الخدمات، وجد المواطن القنيطري نفسه أمام مشهد عبثي، حيث السياسيون يتصارعون على الطاولات الفارغة، والمشاريع المؤجلة تتراكم دون حلول.
كثيرون باتوا يستحضرون تجارب المجالس السابقة، حينما كانت المعارضة أكثر شراسة، لكن رغم ذلك، كان هناك حد أدنى من التوافق يسمح باستمرار العمل المؤسساتي، وهو ما يبدو مفقودًا اليوم.
ولأن السياسة لم تعد حبيسة مكاتب المسؤولين، فقد انتقلت الأزمة إلى فضاء التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من المواطنين عن إحباطهم مما وصفوه بـ”التسييس المرضي” للمجلس، حيث لم يعد الهدف هو خدمة الساكنة، بل تصفية الحسابات السياسية الضيقة.
البعض تساءل صراحة: هل فشلت الديمقراطية المحلية في تحقيق التنمية؟ وهل بات من الضروري التفكير في نموذج أكثر مركزية، يعيد للسلطات الوصية دورًا أكبر في تسيير المدن، تفاديًا لوضع كهذا، حيث تبدو المجالس المنتخبة عاجزة حتى عن الاجتماع؟
وسط هذه الفوضى، برزت مقترحات جذرية تعكس عمق الأزمة، من بينها فكرة استقالة جماعية لأعضاء المجلس، وترك تسيير المدينة للسلطات المختصة، في خطوة قد تبدو غير واقعية، لكنها تعبر عن مدى فقدان الثقة في المجلس الحالي.
ورغم أن هذا السيناريو غير وارد عمليًا، إلا أنه يكشف حجم الإحباط الذي يشعر به المواطن القنيطري، الذي يرى مدينته رهينة صراعات لا طائل منها.
في النهاية، الأزمة ليست مجرد عثرة سياسية عابرة، بل مؤشر على اختلال أعمق في طريقة إدارة الشأن المحلي. وبينما يُفترض أن يكون المجلس الجماعي أداة لحل المشاكل، أصبح هو نفسه مشكلة تحتاج إلى حل.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الخاسر الأكبر لن يكون طرفًا سياسيًا معينًا، بل المواطن القنيطري، الذي يدفع ثمن هذه الصراعات بتأخر المشاريع، وسوء الخدمات، وتراجع الأمل في قدرة الديمقراطية المحلية على إحداث تغيير حقيقي.