الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
الزلازل ليست مجرد اهتزازات أرضية تنتهي بانتهاء الهزة، بل هي أحداث تترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا في المجتمعات التي تعايشها. في المغرب، ومع تكرار الهزات الأرضية، برزت حالة من التوجس المستمر، حيث أصبح الخوف من الزلازل متجذرا في الذاكرة الجماعية، ما دفع العديد من المواطنين إلى اتخاذ ردود فعل قد تبدو مبالغًا فيها، مثل تفضيل البقاء في العراء رغم قسوة الطقس، خشية الهزات الارتدادية. هذا السلوك ليس مجرد خوف عابر، بل هو انعكاس لما يمكن تسميته بـ”متلازمة الزلزال”، حيث يظل الأثر النفسي للكارثة حاضرًا حتى بعد مرور فترة طويلة على وقوعها.
عندما ضربت الهزة الأرضية إقليم وزان، ورغم كونها أقل حدة مقارنة بزلزال الحوز المدمر، إلا أن الذعر الذي خلفته كان كبيرًا، وكأن الذاكرة الجماعية استعادت لحظات الرعب السابقة بكل تفاصيلها. فالخوف هنا لم يكن مرتبطًا فقط بقوة الهزة، بل بتجربة صادمة لا تزال آثارها ماثلة في الأذهان. هذه الحالة النفسية، التي تجعل الناس أكثر حساسية تجاه أي اهتزاز مهما كان بسيطًا، تعود إلى كيفية إدراك المخاطر بناءً على التجارب السابقة. فكلما كان الزلزال السابق مدمرًا، أصبح السكان أكثر ميلاً إلى الحذر المفرط، حتى وإن لم يكن هناك خطر وشيك.
المشكلة تفاقمت مع انتشار صور زلزال الحوز على أنها تخص زلزال وزان، ما زاد من منسوب القلق، وجعل الناس يعتقدون أن الأمر أخطر مما هو عليه في الواقع. هنا، تلعب وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا، فبينما يمكنها أن تكون أداة لنشر الوعي والتثقيف، فإنها قد تتحول أيضًا إلى مصدر للذعر إذا لم يتم التعامل معها بمسؤولية. تداول صور قديمة على أنها حديثة، أو تهويل الأحداث، يجعل المجتمع يعيش في حالة من الخوف المستمر، حتى وإن كان الواقع أقل خطورة مما يتم تصويره.
ما يلفت الانتباه في ردود الفعل الجماعية هو أن الخوف لم يكن نابعًا فقط من طبيعة الزلزال نفسه، بل من الشعور بعدم الثقة في البنية التحتية ومدى قدرتها على الصمود. حين يفضل الناس قضاء الليل في العراء بدلًا من البقاء داخل منازلهم، فإن ذلك يشير إلى قناعة راسخة لديهم بأن المباني قد لا تكون آمنة بما يكفي، حتى وإن لم تكن هناك مؤشرات علمية واضحة على ذلك. هذه الظاهرة تعكس أهمية تعزيز ثقة المواطنين في المعايير الهندسية والتدابير الوقائية، فغياب هذه الثقة يجعل الخوف مضاعفًا، إذ لا يقتصر على الزلزال ذاته، بل يمتد ليشمل الشعور بعدم الأمان داخل المكان الذي يُفترض أن يكون الملاذ.
في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري التفكير في استراتيجيات نفسية واجتماعية للتعامل مع آثار الزلازل، لا تقتصر فقط على تعزيز الاستعداد المادي، بل تمتد أيضًا إلى التوعية والتثقيف النفسي. المجتمعات التي تتعرض للزلازل بشكل متكرر تحتاج إلى بناء قدرة نفسية على التكيف، بحيث لا يتحول كل اهتزاز بسيط إلى حالة ذعر واسعة. التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية يجب أن يقوم على مزيج من الإجراءات الوقائية، والتواصل المسؤول، وتعزيز الثقة في المؤسسات، لضمان أن يكون المجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على مواجهة الأزمات دون الانزلاق في دوامة الخوف غير المبرر.