الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
اطلعتُ مؤخراً على مقاليْن صدرا باسم عائلة المدان في قضية النصب التي هزّت مدينة الناظور، وهما في الحقيقة لا يعدوان أن يكونا محاولة جديدة لإعادة تدوير المغالطات وتلميع صورة شخص أدانته العدالة بتهمة ثابتة، على حساب الضحية الذي خسر أكثر من 500 مليون سنتيم من عرق جبينه.
إن الصمت على هذه البيانات العاطفية قد يُفهم كقبول ضمني بها، لذلك وجب وضع النقاط على الحروف وتذكير الرأي العام بالحقائق القانونية والأخلاقية التي لا يمكن أن تطمسها البيانات المضللة.
أولاً: حقيقة الحكم القضائي
- الحكم الابتدائي أدان المتهم بتهمتي النصب وانتحال الصفة، وهي تهم موثقة في محاضر قضائية لا مجال لإنكارها.
- الحكم الاستئنافي – وإن خفف العقوبة وأسقط تهمة انتحال الصفة – فإنه أبقى على تهمة النصب، أي أن الإدانة قائمة ولا مجال للحديث عن براءة.
- إن محاولة العائلة تصوير الحكم الاستئنافي على أنه “انتصار للعدالة” هو قلب للوقائع، لأن الضحية ما زال محرومًا من حقوقه المالية، والجريمة ما زالت مثبتة.
ثانياً: الضحية المنسيّة في خطاب العائلة
- كل بيانات العائلة تتمحور حول ظروف السجن، المكالمات الهاتفية، الوضع الصحي، أو المعاناة النفسية لذوي المدان.
لكن أين الضحية في كل هذا ؟ أليس من حقه أن يُسترجع ماله المنهوب ؟ أليست معاناته في ديار الغربة وتعب سنوات طويلة أَوْلى بالاعتبار من شكاوى عائلة تبرر جريمة ؟
إن العدالة الحقيقية تبدأ من إرجاع الحق إلى صاحبه، لا من التباكي على امتيازات السجن.
ثالثاً: محاولة قلب الأدوار
- المقالان يحاولان تصوير الجاني في ثوب “المظلوم”، بينما يتم تجاهل أن هذا الأخير خطط ونفذ عملية نصب محكمة على شاب مغربي مهاجر.
في كل القضايا الأخلاقية، يبقى الضحية هو صاحب الحق الأول في التعاطف، بينما الجاني لا يمكن أن يُقدَّم كـ”بريء” أو “مُستهدف”.
إن التلاعب بالعواطف العائلية لن يُغير الحقيقة القانونية: النصب ثابت، والعار يلاحق من ارتكبه ومن يبرره.
رابعاً: قضية عامة لا خاصة
هذه القضية تتجاوز النزاع الفردي بين الضحية والجاني؛ فهي قضية رأي عام لأنها تمس الثقة بين الوطن وجاليته في الخارج.
عندما يرى المهاجرون أن أموالهم المنقولة إلى بلدهم قد تتحول إلى غنيمة لشبكات نصب محمية بالبيانات واللوبيات، فإن ذلك يضرب في العمق كل خطاب رسمي عن الاستثمار في الوطن الأم.
من هنا، فإن الدفاع عن الضحية ليس مجرد تضامن إنساني، بل هو دفاع عن صورة المغرب أمام مواطنيه بالخارج.
خامساً: دعوة للتحقيق الشامل
إذا كانت عائلة المدان حريصة فعلاً على “إظهار الحقيقة”، فلتطالب هي أيضاً بفتح تحقيق شامل يشمل كل من تواطأ وسهّل عملية النصب، لا أن تختبئ وراء خطاب المظلومية.
العدالة لا تُبنى على العاطفة ولا على الضغط الإعلامي، بل على الوقائع والأدلة.
لن تُغير المقالات ولا البيانات من الحقيقة شيئاً: هناك ضحية خسر مدخراته، وهناك جريمة نصب موثقة بحكم قضائي.
التاريخ لا يرحم، والحق لا يضيع ما دام وراءه مطالب.
وأقولها بوضوح: لا عدالة تحمي النصاب وتنسى الضحية..