الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
ردا على من شكك في قصة السجين “ع.ش” .. لكم المقال الآتي:.. قضية السجين “ع. ش” التي هزّت مدينة الناظور لم تعد شأناً محلياً ولا ملفاً عادياً في ردهات المحاكم. إنها مرآة تعكس اختلالات عميقة في بنية العدالة، وتضع علامات استفهام محرجة أمام الرأي العام الوطني والدولي.
القصة ليست مجرد نزاع فردي، بل جريمة نصب مكتملة الأركان، استهدفت شاباً من أبناء الجالية المغربية بالخارج، قضى سنوات من الكفاح في ديار الغربة حتى جمع ما يفوق 500 مليون سنتيم، ليجد نفسه فريسة عملية احتيال خسيسة. هذا المبلغ لم يكن مجرد أرقام في حساب بنكي، بل ثمرة عرق، وسنوات عمل، وتضحيات جسيمة.
- ضحية حقيقية وسجين يصنع لنفسه صورة الضحية
المثير للصدمة أن السجين المدان في حكم ابتدائي بتهم النصب وانتحال صفة، استطاع أن يحوّل مسار النقاش العام لصالحه، مستفيداً من بيانات عائلته التي لا تتردد في الحديث عن “حقوق مهضومة”، وكأننا أمام مظلوم بريء، لا مجرم مدان.
لكن أين حق الضحية؟ أليس الأولى أن تتساءل العائلة عن الأموال المنهوبة قبل أن تطالب بمكالمات هاتفية إضافية أو غرف مجهزة في السجن؟ أي حق يعلو على حق إنسان سُرقت مدخراته بتواطؤ ووقاحة؟
- حكم استئنافي يثير الريبة
الضربة الكبرى جاءت من الحكم الاستئنافي الذي أسقط تهمة انتحال الصفة، واحتفظ فقط بتهمة النصب بعقوبة مخففة لا ترقى إلى مستوى الجريمة. وهو ما جعل الضحية يعلن رفضه القاطع لهذا الحكم، مؤكداً أنه سيلجأ إلى محكمة النقض، بل وسيتحرك على مستوى الديوان الملكي والسلطات الهولندية باعتباره مواطناً ذا جنسية مزدوجة.
هنا يبرز سؤال أخلاقي وقانوني عميق: هل نحن أمام عدالة تحمي الضحية، أم أمام منظومة تغض الطرف عن النصابين وتسمح لهم بمساحات جديدة للمراوغة؟
- خيانة للوطن قبل أن تكون جريمة مالية
النصب على أبناء الجالية ليس فعلاً معزولاً، بل هو خيانة للوطن وطعنة لجهود الدولة في ربط جسور الثقة مع كفاءاتها بالخارج. كيف يمكن أن نشجع الاستثمار ونطلب من المهاجرين العودة بمشاريعهم وأموالهم، بينما يجدون في الوطن شبكات تحترف الاحتيال وتحتمي بأغطية مشبوهة؟
- لا عزاء لمن يبررون النصب
مهما حاولت العائلة أن تلمّع صورة السجين، ومهما كتبت من بيانات عاطفية، تبقى الحقيقة واضحة: التهمة ثابتة، والعار ملازم له ولمن يبرر جريمته. الحقوق لا تُجزّأ، والعدالة لا يمكن أن تنصف المجرم وتنسى الضحية.
- دعوة عاجلة للتحقيق الشامل
إن هذه القضية لم تعد تحتمل التلاعب أو التبرير، لذلك نطالب بفتح تحقيق عاجل وشامل لا يقتصر على محاكمة المتهم وحده، بل يمتد إلى تفكيك الشبكة التي تحميه، وكشف كل من تواطأ أو سهّل له الإفلات من العقاب. فإعادة الثقة في العدالة تمر عبر تطهير المؤسسات من أي نفوذ موازٍ، وضمان أن لا أحد فوق القانون.