الألباب المغربية/ نادية عسوي

إن الجيل الذي خرج إلى الشوارع ليس غريبًا عنا، إنه جيل نعرفه جيدًا لأننا نحن من ربّيناه. جيل يحب الاحتضان، ويختار لغة الحب والإقناع بدل العنف والصرامة. جيل يفضل النقاش الهادئ على الضجيج، ويؤمن أن الكلمة الصادقة أقوى من العصا.
هو جيل “ماما”، لا يخجل من عاطفته. يهتف باسمها وسط الوقفات كما يهتف للكرامة، ويخاف عليها كما يخاف على نفسه. في حنانه تكمن قوته، وفي صدقه يتجلى عمقه.
وهو أيضًا جيل الإنترنت، الذي وجد في يوتيوب وديسكورد… مدرسته الأولى. يتعلم ويقارن ويصوغ شعاراته في الفضاء الرقمي قبل أن ينزل بها إلى الشارع. من “سيلفي” في السطافيط إلى وسمٍ في تيكتوك..، يبتكر أشكالًا جديدة للتعبير لا تشبه ما عرفناه من قبل.
كما أنه جيل المدارس الخصوصية أحيانًا، والعمومية المُنهكة أحيانًا أخرى. يعرف أن حظه في التعليم يقاس غالبا بقدرة والديه على دفع الرسوم، فيشعر بمرارة التفاوت. لذلك يطالب بتعليم يفتح الأفق بدل أن يُدين المواطن.
جيل وصل اغلبهم سن الجامعة… وما أدراك ما الجامعة. مدرجات مكتظة، تجهيزات متقادمة، مناهج لا تساير العصر، وأستاذ مثقل بالمهام أكثر من انشغاله بالإبداع. هناك يكتشف الطالب أن المعرفة لا تأتي فقط من المحاضرة، بل من الإنترنت والمصادر الحرة. وهناك أيضًا يصطدم بواقع البطالة الذي يجعل الشهادة لا تعني دائمًا شغلًا كريمًا. فتتحول الجامعة من فضاء للحلم إلى فضاء لإقباره.
وهو كذلك جيل كل حلمه الهجرة: مرة عبر الدراسة في الخارج، ومرة عبر القرعة، وأخرى عبر تعلم مهنة تكون جسرًا إلى كندا أو ألمانيا او عبر هجرة غير نظامية. كأن الوطن لم يعد يكفي أحلامهم، وأن الأمل في التغيير داخله أبطأ من صبرهم.
هو أيضًا جيل اللغات؛ يتكلم الإنجليزية بلا عقدة، وينفتح على العالم بلا قيود، بينما يرفض أن يبقى أسير التبعية الفرنسية التي كبّلت الأجيال قبله.
وفي المقابل، ما زالت بعض الأحزاب توزّع مقاعد كوطا الشباب على من شابت لحاهم. أي مفارقة هذه؟ كيف يمكن لمن يعيش بعقلية الأمس أن يفهم جيلًا يصوغ شعاره في دقيقة وينشره في ثانية ؟
ورغم كل هذا، تبقى مطالب جيل Z بسيطة وواضحة: تعليم منصف، صحة تحفظ الكرامة، وعدالة اجتماعية تعيد الثقة. إنها مطالب أبنائنا، لا مؤامرات ولا أجندات خفية.
اليوم يتكلم هذا الجيل… فأنصتوا لهم. لا يحتاجون لمن يلقّنهم ولا لمن يفرض عليهم الوصاية، بل لمن يعترف بصدق أصواتهم. وحين نصغي إليهم بعين الآباء لا بعين الخصوم، سنكتشف أنهم لا يريدون إلا ما نريده جميعًا: تعليم ينصف، صحة تحفظ، وعدالة تصون الكرامة.
انصتوا لهم رحمكم الله