عزيز لعويسي
لأهداف إنسانية وغايات تضامنية، فتح المغرب الأبواب أمام الهجرة القادمة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كان من نتائجها تدفق فئات واسعة من المهاجرين الأفارقة نحو عدد من المدن المغربية من قبيل وجدة وأكادير ومراكش والدار البيضاء والمحمدية والرباط والقنيطرة وطنجة وتطوان وغيرها، ودون النبش في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية لهؤلاء المهاجرين الأفارقة، أو الانغماس في مقاربة دوافع اختيارهم للمغرب دون غيره من بلدان شمال إفريقيا، وظروف وملابسات دخولهم إلى التراب الوطني، وتوزيعهم الجغرافي والبلدان القادمين منها، ومدى اندماجهم داخل المجتمع المغربي، بات من الضروري، بل ومن باب الاستعجال توجيه البوصلة كاملة نحو هذه الهجرة الإفريقية، في ظل ما أصبحت تنتجه من انحرافات وانزلاقات مثيرة للقلق؛
ونشير في هذا الإطار، إلى ما حدث ويحدث في جنبات واحدة من المناطق الأكثر شهرة ورواجا في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، ويتعلق الأمر بمنطقة أولاد زيان وتحديدا بمحيط المحطة الطرقية، حيث باتت المنطقة مرتعا خصبا لبعض المهاجرين الأفارقة المنحرفين، الذين لم يعودوا يجدون خجلا أو حياء، في إتيان تصرفات تشكل جرائم معاقب عليها قانونا، من قبيل السكر العلني واستهلاك المخدرات والعنف والتهديد والإخلال العلني بالحياء العام، وإحداث الفوضى وإزعاج الساكنة والمساس بالنظام العام، وما يرتبط به من أمن عام وسكينة وصحة عامة، فضلا عن الإسهام في تشويه المنظر العام، خاصة وأن المنطقة يخترقها “شارع أولاد زيان” الذي يعد واحدا من أشهر شوارع العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، ومن أكثرها كثافة على مستوى حركية السير والجولان، فضـلا عن تكريس الإحساس بانعدام الأمن في أوساط الساكنة، التي لم يعد أمامها من خيار أو بديل، سوى وضع الشكايات لدى السلطات المختصة، والتعبير عما تتعرض له من مضايقات وتهديدات وإزعاج، أمام عدسات الكاميرا، في انتظار إجراءات حاسمة وحازمة، ترفع عنها ما أضحت تعيشه منذ سنوات، من ضررمستدام، أمام تهور بلغ مداه، يحضر أحيانا أمام مرأى ومسمع عناصر الشرطة، بل حتى الشرطة ذاتها، لم تسلم من هذا التهور الذي يقتضي، التعامل معه بما يليق من الحزم والصرامة في إطار ما تفرضه الضوابط الأمنية والقانونية؛
والمتجول في محيط المحطة الطرقية أولاد زيان، لابد أن تستوقفه تجمعات مهاجريــن أفارقة من جنسيات مختلفــة، باتوا يشكلون ما يشبه عصابات قطاع الطرق والخارجين عن القانون، الذين أضحوا يشكلون مصدر خوف وقلق للساكنة، وبؤرة أمنية مقلقة للشرطة، التي يقتصر دورها في غالب الأحيان، على لعب دور الإطفائي لما تشتد جمرة العنف أو التهديد في أوسـاط هؤلاء، أو تظهـر عليهم علامات “طيكوك” التهور واستعراض العضلات والتحدي، على الرغم مما يقترفـونـه من جرائم ومن انتهاكات مكشوفة للنظام العام، لابد أن تطالها سلطة القانون والعقاب؛
وبقدر ما نرحب بالأشقاء والأصدقاء الأفارقة القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بين أحضان الوطن، ونثمن احترام الكثير منهم للضوابط والقوانين الجاري بها العمل، ونجاحهم في الاندماج التدريجي في المجتمع المغربي، بقدر ما نديــــن البعض منهم، ممن اختاروا طريق الانحراف والمساس بالنظام العام، وانتهاك ما يؤطر البلد من ضوابط قانونية ودينية وأخلاقية وقيمية، وفي هذا الإطار، وتقديرا لما تعيشه منطقة أولاد زيان بالدار البيضاء على غرار ما يحدث في مدن مغربية أخرى، من انحرافـات مرتبطة بالهجرة الإفريقيـة، واستحضارا لما تعيشه بعض دول شمال إفريقيا من قبيل تونس، التي باتت تعاني من آثار ارتفـاع منسوب الهجرة الوافدة عليها من إفريقيا جنوب الصحــراء، وتذكيـرا بالاقتحامات التي تطال المدينتين المحتلتين بين الفينة والأخرى، من قبل المهاجرين الأفارقة، وما يرافق ذلك من مآسي إنسانية ومن حوادث عنف تمتد إلى عناصر الأمن، نستطيع القول، أن مهاجري أولاد زيان خصوصا، وبعض المهاجرين الأفارقة المنحرفين عموما، أضحوا يشكلون ما يشبه “القنبلة الموقوتة”، التي لم يعد ممكنا أو مقبولا التعامل معها بمنطق “الإطفائي”، وآن الأوان لفتح ملف هؤلاء، والتعامل معـه بما يلزم من الحزم حرصا على احترام هيبة القانون والمؤسسات، وحماية لحياة الأشخاص وسلامة الممتلكات، وتكريسا لمبدأ الإحساس الفردي والجماعي بالأمن والاستقرار، وتغيير منهجية التعامل مع هــؤلاء المنحرفين، بات أمرا استعجاليا، حتى لا يتطور الانحراف إلى مستوى بـروز عصابات إجرامية منظمة،قادرة على إرباك الوضع الأمني وتهديد حياة المواطنين، دون إغفال الهواجس والانشغالات الأمنية، التي لابد من استحضارها، من منطلق أن هويات البعض قـد تبقى “مجهولة” بالنسبة لأجهـزة الأمن، خاصة بالنسبة للمهاجرين الذين يتواجدون داخل التراب الوطني في وضعية غير قانونية، يصعب معها ليس فقط، التعرف على هوياتهم وبلدانهم الأصلية، بل وما يحملونه من أفكـار وميولات واتجاهات وتوجهات؛
ونحن نفتح ملف “أفارقة أولاد زيان” خصوصا، وملف الهجرة الإفريقية بالمغرب، لا ندعي أننا اقتحمنا خلــوة ملف لم يسبقنا في إثـارته أحد، فالملف مفتوح للعيان منذ أن تبنى المغرب استراتيجية جديدة للهجرة قبل سنــوات، ولا نحاول كما قد يظـن البعض، تجييـش مشاعر الحقد والعداء والعنصرية تجاه المهاجريـن الأفارقة، فنحـن نؤمن بعقيدة السلام والتضامن والتعاضد والتعاون والتلاقي والتلاقـح والعيـش المشترك، وهي العقيدة التي تقاسمها و يتقاسمها المغاربة عبر التاريـخ، ولا نرمي إلى إقفال الأبواب بشكل لارجعة فيه، أمام الأشقاء والأصدقاء الأفارقة، فالمغاربة أهل ترحاب ومحبـة وحفاوة وكـرم واستقبال، لكن وفي ظل ما بات يرتبــط بهذه الهجرة من انحرافات وانزلاقات، ليس أمامنا من خيار، ســـوى دق ناقوس الخطر عبر هذا المقال، منبهيـن سلطات الدولة إلى “قنبلة موقوتة” تستقـر بمحيط المحطة الطرقية أولاد زيان بالدار البيضاء، تقتضي المضي قدما في اتجاه فك خيوطها وإبطال مفعولها، فرضا لهيبة القانون وحرصا على النظام العام، وأي تطبيع مع ما يجري من تهور وانفلات في أوساط هؤلاء المهاجرين، قد يقود إلى انفجار، لا أحد يستطيع تحمل قوته أو التنبؤ بتداعياته، وهذا ما لا نتمناه ولا نرضاه لوطن، يعـد بيتنا المشتـرك وملاذنا الآمـن…